هاني سميرات
“الشجاعة هي الثمن الذي تحدده الحياة لمنح السلام” ، هذه هي المقولة الرائعة للأمريكية اميليا ايرهارت هذه المرأة ألهمت كل إنسان يحلم ويطمح ، بالتغيير .
والشجاعة هي أن ترسم خريطة غير موجودة في عقول البشر، ان تضع القصص موضعها الحقيقي ، أن ترى ما أخفته عنك حالة الحرب ، الشجاعة هي أن تصدق ما لم تصدقه من قبل ، أن تبحث عن حدود الحقائق بانتظام ، أن تتحدث ما تخشى منه ، أن تبحث عن القيم الإنسانية الغائبة أثناء ا .
حينما توجهت إلى بيرمنغهام في بريطانيا قبل سنوات لدراسة آليات التعامل مع النزاع ، ودخلت معهد rtc الذي يتغنى بنضال غاندي ، ذهلت لهول ما رايته ، فكيف لدولة كبريطانيا ، عاثت في الهند فسادا ، وقتلت أجيالا ، واستعمرت وصادرات كل مقومات الحياة لأكثر من 3 قرون ، ان تجسد صورة عدوها اللدود ، وان تتغنى بفكره ، وكيف لهذا الرجل أن يتحدى نفسه عبر دراسة القانون في بريطانيا التي احتلت أرضه ، ولكني أدركت بعد حين كيف استطاع غاندي أن يستفيد من تعليمه في مقاومة المحتل ، كان يعرف مسبقا أن فهم العدو نصف النصر ، فانتصر .
فأدركت بعدها أننا مخلوقات تعادي ما لا تعلمُه وان عواطفنا دائما منتصرة، وأننا نتوهم بالمعرفة، فلم تشفع لنا هذه المعرفة الضيقة ، حينما قررنا عمدا رفض فهم الآخر ، جاهلين أن فهم الآخر ، وفهم تاريخه وروايته، هي نصف النصر ، فجهلنا الآخر …فلم ننتصر .
هذا ما كنت أفكر به وانا متوجه إلى معسكرات الاعتقال النازية في بولندا ، واضعا نصب عيني ان افهم ما أخفته عني سنوات الحرب والاحتلال ، وما أخفته عني مناهجي الدراسية ، وقصص العائلة ، وكتب التاريخ المتوفرة ، هذا ما أخفاه عني إجرام الاحتلال ، فكيف لي ان افهم احتلالا ، ينزعني من وسط عائلتي كل يوم، كيف لي أن اقرا عن الهولوكوست ومذابح اليهود ، و أنا أعيش في كل يوم مجزرة وقصة موت ، لان ما خلفه الاحتلال ضد التسامح والسلام يتفوق كثيرا جدا على ما أوجده من أجلهما. لكني واصلت سفري حاملا مقولة غاندي كلمة “لا …. التي ُتلفظ عن قناعة عميقة أفضل من قول نعم.. التي ُتلفظ لمجرد الإرضاء أو لتجنب المتاعب. ” وكنت مدركا أنني سأواجه بعد عودتي المتاعب . كنت قد قرأت عن مذابح الأرمن التي تعرف باسم “المحرقة الأرمنية” و”المذبحة الأرمنية” قتل بها ما يزيد على مليون ونصف مليون إنسان ، والتقيت ببعض ضحايا مذبحة رواندا والتي قتل فيها ما يقارب من مليون إنسان ، على خلفية الهوية . كانت الصور والقصص والأفلام في غاية البشاعة ، والروايات تكاد لا تصدق من كثره ما تحمل من معاناة وظلم واضطهاد للبشرية . أنا لا اشك آن المحرقة اليهودية هي من أكثر الجرائم البشعة في العالم ، وهي تعبر عن عنصرية وظلم واضطهاد ، ومحاولة إنهاء للعنصر البشري ، ولكني كزائر بقيت كثير من الصور التي رأيتها في معسكر الاعتقال النازي ، حاضرة في ذهني ، كفلسطيني أعيش تحت الاحتلال ، وكناشط ومؤمن في السلام . أربع صور لم تفارقني ، طيلة الزيارة الأكاديمية ، حين بدأت أتنقل بين معسكرات الاعتقال ، وأماكن إقامة اليهود في كراكوف واوتشفيز. كنت على موعد مع قصصي الشخصية ، كانت أول القصص في عمليات تهجير اليهود وحرق بيوتهم وقيادة الأطفال والنساء والعجائز وتعذبيهم ، وهي من أبشع الصور في التاريخ الإنساني ، فاستحضرت أجدادنا وآباءنا الذين هجروا من أراضيهم في عام 1948 ، استحضرت عشرات القرى المهجرة في القدس ويافا وحيفا ، والناصرة ، في الخليل وطولكرم وغيرها ، لم تكن تراودني شكوك في حجم معاناة الضحايا ومدى بشاعة الإرهاب في القتل والإهانة والتدمير ، ونزعه النازيين في الإبادة لكل العنصر البشري . لقد شعرت بانكسار حقيقي ما بين ما أعيشه وما أراه . رأيت غرف الغاز التي اعدم فيها عشرات ألاف اليهود بطريقه وحشية ، جمعوا في غرف مغلقة عراة دون ملابس، الرجال مع النساء، بحجة الاستحمام ، فتحول ماء النازية في لحظات الى غاز يغسل الأرواح ويذيب الأجساد البريئة ، لُتُحرق وتُطحن ، واستذكرت استخدام الاحتلال الإسرائيلي للغاز المحرم دوليا ، استذكرت جثث الأطفال المتفحمة التي لم تكن بحاجة إلى أفران لحرقها ، استذكرت أكوام الشهداء الذين التصقت أجسادهم بجدران البيوت ، ومعادن المركبات ، وافران الخبز ، استذكرت صورة يد طفل مقطوعة تحمل لعبة . كنت أتمنى حينها ان لي قلبين أو عقلين لاستطيع ان افصل بين مساحة الموت في اوتشفيز ومساحة الموت في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، كنت بحاجة ان المس جدران المعسكرات التي التصقت أرواح الضحايا فيها ، أناجيهم فاقول لي حكايتي تشبه حكايتكم ، كنت أتخيل ان هنالك أرواحا بريئة تقول لي: “تكلم بصوت عال حتى أسمعك” . كنت ارغب أن أناجي أرواح الذين قتلوا لأقول لهم آن أحفادكم وأبناءكم يقودوننا الى الموت ، تماما كما قادتكم النازية الى الموت ، عسى هذه الأرواح تفعل ما لا يستطيع السياسيون فعله ، عسى ان يستطيع الميت إنقاذ الأحياء المشرفين على الموت . لقد أهين اليهود في معسكرات الاعتقال النازي ووضعوا في ظروف إعتقالية وحشية لا إنسانية ، غرف مظلمة ، وحرمان لأدنى الاحتياجات الإنسانية كالأكل والنوم والتبول وظروف اعتقال بائسة، وظروف الهروب كانت من الموت الى الموت ، أحسست كيف كان ينظر الضحايا من خلف الجدران لرؤية الشمس ، كيف كانوا يحسدون طائرا يحط على شجرة بعيدة على حريته، كيف ينظرون إلى آخر السكة الحديدية التي تنتهي في اوشفيز وينتهي معها الموت. ولكن كل ذلك انتهى بانتهاء الاحتلال وسقوط النازية ، وفورا استحضرت القصة الثالثة استحضرت الإهانات الدائمة على الحواجز ، وفي التحقيق ، وفي الاقتحامات ، استحضرت بركسات الاعتقال في الثمانينات ، والتسعينات وظروف الاعتقال ، والأحكام الإدارية القاسية ، في رسائل السجناء الى ذويهم ، استحضرت مقابر الأرقام ، تذكرت أطفال السجون ،،، تذكرت كثيرا من الآلام التي لم تنته حتى آلان . الصورة الرابعة الخالدة هي كتاب ضخم ، في وسط المعتقل ، فيه أسماء الضحايا وظروف موتهم ، وتاريخ حياتهم ، عشرات ألاف الورق التي تجسد قتل 6 مليون يهودي ، وهذا إرهاب إنساني مخيف ،، ولم اكن مهتما للتأكد من عدد الضحايا ، فذلك لا يعنيني ، ما يعنيني ان هنالك ضحايا مهما بلغ عددهم ، ومهما كانت أسماؤهم ، ومهما كان السبب في تعذيبهم وقتلهم ، ما كنت مقتنعا به ان هؤلاء قتلوا دون إرادتهم ، قهرا وظلما، لم اكن أتطلع الى بعض الروايات التي تقول أن مافيا يهودية ساعدت هتلر في هذه الجريمة ، أو أن اليهود يبالغون في عدد ضحايا المحرقة ، لم يكن ذلك يشكل اهتماما مهما كان صوابا او خطأ ،، فالضحية ضحية وان كانت من نفس جنس المجرم . ولكن في الشق الآخر ، هنالك موت مستمر لا يتوقف ، مئات ، هنالك 5 مليون لاجئ فلسطيني ، 70% منهم في عداد الميت ، لأنهم لا يحظون بحياة كريمة ومعرضون للاهانات والعنصرية ، والموت ، ينتظرون حلم العودة،، لكنهم يموتون في الغربة ، نعم استحضرت العجائز التي لا زالت تحمل مفاتيح بيوتهم ، وهؤلاء الذين يعيشون في مخيمات معدومة الحياة ، يحيطها البؤس من كل جانب ، قالت لي امرأة عجوز في إحدى مخيمات الأردن : أكثر من ستون عاما نعاني من قسوة الغربة والاحتياج …ستون عاما نشتاق للعودة فمتى نعود ؟ متى ؟ فقلت لنفسي : ” تباً لك من سؤال لا أجد له جوابا .” من ينكر الهولوكست لا يرى ، ومن يبرر تصرفات الاحتلال الإسرائيلي لا يرى ، ، وعلى اليهود ان يؤمنوا اكثر بالسلام لأنهم عرفوا وعاشوا لحظات العنصرية والموت ، على معسكرات الاعتقال أن تكون رمزا للسلام لا دافعا للقتل والاحتلال ، عليهم أن يكونوا أكثر إحساسا بمعاناتنا ، لأننا نعاني منذ أكثر من ستون عاما ما عانوه وما عاناه اجدادهم سابقا ، ورغم أن عقولنا قد تشكلت بوسائل تؤهلها للتعبير عن النزاع والحروب أكثر من التسامح والسلام، إلا أن الجميع مطالب بإعادة تشكيل عقولهم والتعلم من تجارب الشعوب الأخرى. آمل ان تزداد هذه المبادرات ، التي قادها البرفيسور محمد سليمان الدجاني، الذي يحيط الأجيال دائما بالأمل والحياة ، والشجاعة. أمل أن ينظر الاسرائيليون بعمق إلى مدى فظاعة احتلالهم ، وان يتعلم الفلسطينيون أكثر حول تجارب ونكبات الأمم ومعاناتهم ، وان يعززوا من شكل اتصالهم الإنساني مع العالم ، ويجسدوا ألامهم وعذاباتهم اليومية بطريقه تسمع وتؤثر في الآخرين .. آمل أن يكون الاعتراف والحوار والسلام هو اللغة الحقيقية بين الأحياء ، بعيدا عن إنكار مأساتنا ، والتجرد من إنسانيتنا ، ولن أفوت أي فرصة لي أو لأبنائي للتعلم أكثر وأكثر عن معاناة ابناء البشر في أي بقعه في الأرض ، كي يتعلمون ماذا يفعل السلام وماذا تفعل الحرب بنا . ::::::::::: هاني سميرات طالب ماجستير في برنامج الدراسات الامريكية في جامعة الفدس واحد المشاركين في الرحلة الطلابية العلمية الى بولندا.
“الشجاعة هي الثمن الذي تحدده الحياة لمنح السلام” ، هذه هي المقولة الرائعة للأمريكية اميليا ايرهارت هذه المرأة ألهمت كل إنسان يحلم ويطمح ، بالتغيير .
والشجاعة هي أن ترسم خريطة غير موجودة في عقول البشر، ان تضع القصص موضعها الحقيقي ، أن ترى ما أخفته عنك حالة الحرب ، الشجاعة هي أن تصدق ما لم تصدقه من قبل ، أن تبحث عن حدود الحقائق بانتظام ، أن تتحدث ما تخشى منه ، أن تبحث عن القيم الإنسانية الغائبة أثناء ا .
حينما توجهت إلى بيرمنغهام في بريطانيا قبل سنوات لدراسة آليات التعامل مع النزاع ، ودخلت معهد rtc الذي يتغنى بنضال غاندي ، ذهلت لهول ما رايته ، فكيف لدولة كبريطانيا ، عاثت في الهند فسادا ، وقتلت أجيالا ، واستعمرت وصادرات كل مقومات الحياة لأكثر من 3 قرون ، ان تجسد صورة عدوها اللدود ، وان تتغنى بفكره ، وكيف لهذا الرجل أن يتحدى نفسه عبر دراسة القانون في بريطانيا التي احتلت أرضه ، ولكني أدركت بعد حين كيف استطاع غاندي أن يستفيد من تعليمه في مقاومة المحتل ، كان يعرف مسبقا أن فهم العدو نصف النصر ، فانتصر .
فأدركت بعدها أننا مخلوقات تعادي ما لا تعلمُه وان عواطفنا دائما منتصرة، وأننا نتوهم بالمعرفة، فلم تشفع لنا هذه المعرفة الضيقة ، حينما قررنا عمدا رفض فهم الآخر ، جاهلين أن فهم الآخر ، وفهم تاريخه وروايته، هي نصف النصر ، فجهلنا الآخر …فلم ننتصر .
هذا ما كنت أفكر به وانا متوجه إلى معسكرات الاعتقال النازية في بولندا ، واضعا نصب عيني ان افهم ما أخفته عني سنوات الحرب والاحتلال ، وما أخفته عني مناهجي الدراسية ، وقصص العائلة ، وكتب التاريخ المتوفرة ، هذا ما أخفاه عني إجرام الاحتلال ، فكيف لي ان افهم احتلالا ، ينزعني من وسط عائلتي كل يوم، كيف لي أن اقرا عن الهولوكوست ومذابح اليهود ، و أنا أعيش في كل يوم مجزرة وقصة موت ، لان ما خلفه الاحتلال ضد التسامح والسلام يتفوق كثيرا جدا على ما أوجده من أجلهما. لكني واصلت سفري حاملا مقولة غاندي كلمة “لا …. التي ُتلفظ عن قناعة عميقة أفضل من قول نعم.. التي ُتلفظ لمجرد الإرضاء أو لتجنب المتاعب. ” وكنت مدركا أنني سأواجه بعد عودتي المتاعب . كنت قد قرأت عن مذابح الأرمن التي تعرف باسم “المحرقة الأرمنية” و”المذبحة الأرمنية” قتل بها ما يزيد على مليون ونصف مليون إنسان ، والتقيت ببعض ضحايا مذبحة رواندا والتي قتل فيها ما يقارب من مليون إنسان ، على خلفية الهوية . كانت الصور والقصص والأفلام في غاية البشاعة ، والروايات تكاد لا تصدق من كثره ما تحمل من معاناة وظلم واضطهاد للبشرية . أنا لا اشك آن المحرقة اليهودية هي من أكثر الجرائم البشعة في العالم ، وهي تعبر عن عنصرية وظلم واضطهاد ، ومحاولة إنهاء للعنصر البشري ، ولكني كزائر بقيت كثير من الصور التي رأيتها في معسكر الاعتقال النازي ، حاضرة في ذهني ، كفلسطيني أعيش تحت الاحتلال ، وكناشط ومؤمن في السلام . أربع صور لم تفارقني ، طيلة الزيارة الأكاديمية ، حين بدأت أتنقل بين معسكرات الاعتقال ، وأماكن إقامة اليهود في كراكوف واوتشفيز. كنت على موعد مع قصصي الشخصية ، كانت أول القصص في عمليات تهجير اليهود وحرق بيوتهم وقيادة الأطفال والنساء والعجائز وتعذبيهم ، وهي من أبشع الصور في التاريخ الإنساني ، فاستحضرت أجدادنا وآباءنا الذين هجروا من أراضيهم في عام 1948 ، استحضرت عشرات القرى المهجرة في القدس ويافا وحيفا ، والناصرة ، في الخليل وطولكرم وغيرها ، لم تكن تراودني شكوك في حجم معاناة الضحايا ومدى بشاعة الإرهاب في القتل والإهانة والتدمير ، ونزعه النازيين في الإبادة لكل العنصر البشري . لقد شعرت بانكسار حقيقي ما بين ما أعيشه وما أراه . رأيت غرف الغاز التي اعدم فيها عشرات ألاف اليهود بطريقه وحشية ، جمعوا في غرف مغلقة عراة دون ملابس، الرجال مع النساء، بحجة الاستحمام ، فتحول ماء النازية في لحظات الى غاز يغسل الأرواح ويذيب الأجساد البريئة ، لُتُحرق وتُطحن ، واستذكرت استخدام الاحتلال الإسرائيلي للغاز المحرم دوليا ، استذكرت جثث الأطفال المتفحمة التي لم تكن بحاجة إلى أفران لحرقها ، استذكرت أكوام الشهداء الذين التصقت أجسادهم بجدران البيوت ، ومعادن المركبات ، وافران الخبز ، استذكرت صورة يد طفل مقطوعة تحمل لعبة . كنت أتمنى حينها ان لي قلبين أو عقلين لاستطيع ان افصل بين مساحة الموت في اوتشفيز ومساحة الموت في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، كنت بحاجة ان المس جدران المعسكرات التي التصقت أرواح الضحايا فيها ، أناجيهم فاقول لي حكايتي تشبه حكايتكم ، كنت أتخيل ان هنالك أرواحا بريئة تقول لي: “تكلم بصوت عال حتى أسمعك” . كنت ارغب أن أناجي أرواح الذين قتلوا لأقول لهم آن أحفادكم وأبناءكم يقودوننا الى الموت ، تماما كما قادتكم النازية الى الموت ، عسى هذه الأرواح تفعل ما لا يستطيع السياسيون فعله ، عسى ان يستطيع الميت إنقاذ الأحياء المشرفين على الموت . لقد أهين اليهود في معسكرات الاعتقال النازي ووضعوا في ظروف إعتقالية وحشية لا إنسانية ، غرف مظلمة ، وحرمان لأدنى الاحتياجات الإنسانية كالأكل والنوم والتبول وظروف اعتقال بائسة، وظروف الهروب كانت من الموت الى الموت ، أحسست كيف كان ينظر الضحايا من خلف الجدران لرؤية الشمس ، كيف كانوا يحسدون طائرا يحط على شجرة بعيدة على حريته، كيف ينظرون إلى آخر السكة الحديدية التي تنتهي في اوشفيز وينتهي معها الموت. ولكن كل ذلك انتهى بانتهاء الاحتلال وسقوط النازية ، وفورا استحضرت القصة الثالثة استحضرت الإهانات الدائمة على الحواجز ، وفي التحقيق ، وفي الاقتحامات ، استحضرت بركسات الاعتقال في الثمانينات ، والتسعينات وظروف الاعتقال ، والأحكام الإدارية القاسية ، في رسائل السجناء الى ذويهم ، استحضرت مقابر الأرقام ، تذكرت أطفال السجون ،،، تذكرت كثيرا من الآلام التي لم تنته حتى آلان . الصورة الرابعة الخالدة هي كتاب ضخم ، في وسط المعتقل ، فيه أسماء الضحايا وظروف موتهم ، وتاريخ حياتهم ، عشرات ألاف الورق التي تجسد قتل 6 مليون يهودي ، وهذا إرهاب إنساني مخيف ،، ولم اكن مهتما للتأكد من عدد الضحايا ، فذلك لا يعنيني ، ما يعنيني ان هنالك ضحايا مهما بلغ عددهم ، ومهما كانت أسماؤهم ، ومهما كان السبب في تعذيبهم وقتلهم ، ما كنت مقتنعا به ان هؤلاء قتلوا دون إرادتهم ، قهرا وظلما، لم اكن أتطلع الى بعض الروايات التي تقول أن مافيا يهودية ساعدت هتلر في هذه الجريمة ، أو أن اليهود يبالغون في عدد ضحايا المحرقة ، لم يكن ذلك يشكل اهتماما مهما كان صوابا او خطأ ،، فالضحية ضحية وان كانت من نفس جنس المجرم . ولكن في الشق الآخر ، هنالك موت مستمر لا يتوقف ، مئات ، هنالك 5 مليون لاجئ فلسطيني ، 70% منهم في عداد الميت ، لأنهم لا يحظون بحياة كريمة ومعرضون للاهانات والعنصرية ، والموت ، ينتظرون حلم العودة،، لكنهم يموتون في الغربة ، نعم استحضرت العجائز التي لا زالت تحمل مفاتيح بيوتهم ، وهؤلاء الذين يعيشون في مخيمات معدومة الحياة ، يحيطها البؤس من كل جانب ، قالت لي امرأة عجوز في إحدى مخيمات الأردن : أكثر من ستون عاما نعاني من قسوة الغربة والاحتياج …ستون عاما نشتاق للعودة فمتى نعود ؟ متى ؟ فقلت لنفسي : ” تباً لك من سؤال لا أجد له جوابا .” من ينكر الهولوكست لا يرى ، ومن يبرر تصرفات الاحتلال الإسرائيلي لا يرى ، ، وعلى اليهود ان يؤمنوا اكثر بالسلام لأنهم عرفوا وعاشوا لحظات العنصرية والموت ، على معسكرات الاعتقال أن تكون رمزا للسلام لا دافعا للقتل والاحتلال ، عليهم أن يكونوا أكثر إحساسا بمعاناتنا ، لأننا نعاني منذ أكثر من ستون عاما ما عانوه وما عاناه اجدادهم سابقا ، ورغم أن عقولنا قد تشكلت بوسائل تؤهلها للتعبير عن النزاع والحروب أكثر من التسامح والسلام، إلا أن الجميع مطالب بإعادة تشكيل عقولهم والتعلم من تجارب الشعوب الأخرى. آمل ان تزداد هذه المبادرات ، التي قادها البرفيسور محمد سليمان الدجاني، الذي يحيط الأجيال دائما بالأمل والحياة ، والشجاعة. أمل أن ينظر الاسرائيليون بعمق إلى مدى فظاعة احتلالهم ، وان يتعلم الفلسطينيون أكثر حول تجارب ونكبات الأمم ومعاناتهم ، وان يعززوا من شكل اتصالهم الإنساني مع العالم ، ويجسدوا ألامهم وعذاباتهم اليومية بطريقه تسمع وتؤثر في الآخرين .. آمل أن يكون الاعتراف والحوار والسلام هو اللغة الحقيقية بين الأحياء ، بعيدا عن إنكار مأساتنا ، والتجرد من إنسانيتنا ، ولن أفوت أي فرصة لي أو لأبنائي للتعلم أكثر وأكثر عن معاناة ابناء البشر في أي بقعه في الأرض ، كي يتعلمون ماذا يفعل السلام وماذا تفعل الحرب بنا . ::::::::::: هاني سميرات طالب ماجستير في برنامج الدراسات الامريكية في جامعة الفدس واحد المشاركين في الرحلة الطلابية العلمية الى بولندا.