Menu Close

” بقلم الاستاذ الدكتور محمد الدجاني الداودي “المسلمون واليهود والمعركة الفاصلة يوم القيامة

المسلمون واليهود والمعركة الفاصلة يوم القيامة
أ‌. د. محمد سليمان الدجاني الداودي
مؤسس الوسطية في فلسطين


يستشهد المسلم يوميا بالاحاديث النبوية التي يكون قد قرأها في الكتب الدينية أو الصحف اليومية او على الانترنت او سمعها من رجال الدين او من اساتذته او من خطباء المساجد او من المحاضرين في الندوات والمحاضرات والمؤتمرات. ولو اتاح لنفسه الفرصة ليتمعن فيما يقول او يقرأ أو يسمع من احاديث تنسب للرسول الكريم لوجد في بعضها احاديث تنسب للرسول الكريم برغم انها قد تخالف ما يقوله الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم، وما كان عليه الرسول من الخلق القويم. ولم يسمح الرسول (صلعم) بكتابة احاديثه حتى لا يخلط المسلمون بينها وبين الآيات القرآنية وحتى لا يعتبروا أن ما صدر عن الرسول من قول هو جزء من الدين المنزل. وبدأ جمع الحديث في القرن الاول والثاني ونسب الى الرسول من الاقوال ما قال وما لم يقل. وقد رسمت بعض هذه الاحاديث صورا لأقوال الرسول (صلعم) تختلف عما تحدث به القرآن عنه، وما كان عليه فعلا. ولو ان قارئا غير مسلم قرأ هذه الاحاديث فسيخرج منها بتصور عن ما تقوله عن دين الاسلام والرسول لا يعكس الحقيقة التي وصفه الله بها: (وإنك لعلى خلق عظيم) (القلم:4). ومن هذه الاحاديث التي نسبت للرسول الكريم ما يلي:

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني بن عبد الرحمن عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجرفيقول الحجر أو الشجر: “يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود” . (صحيح الإمام مسلم 2922) ( رواه الالباني في صحيح الجامع). ايضا : “لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي فتعال فاقتله” . (صحيح الإمام مسلم 2921)

ايضا: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “تُقَاتِلُكُمْ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ .” (رواه البخاري) يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: “الحديث المذكور حديث صحيح رواه أكثر من صحابي عن النبي – صلى الله عليه وسلم- فقد صح من حديث ابن عمر، ومن حديث أبي هريرة.

فقد روي الشيخان عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله” (ذكره في: صحيح الجامع الصغير برقم -7414).، وفي رواية لمسلم: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله. . إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود.” (ذكره في: صحيح الجامع الصغير أيضًا -7427).، ورواه الشيخان من حديث ابن عمر بلفظ: “تقاتلون اليهود، فتسلطون عليهم، حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر، فيقول الحجر: يا عبد الله، هذا يهودي ورائي فاقتله.” (ذكره في صحيح الجامع الصغير -2977.)

كما جاء هذا الحديث في كتاب “القدس: قضية كل مسلم” للدكتور يوسف القرضاوي: “أن المعركة بيننا وبين بني صهيون مستمرة، نقاتلهم ويقاتلوننا، حتى تأتي المعركة الفاصلة التي نبأنا بها من لا ينطق عن الهوى، وهي التي يكون كل شيء فيها معنا ضد اليهود، حتى الشجر والحجر، روى البخاري ومسلم عن ابي عمر ان النبي (صلعم) قال: ” تقاتلكم اليهود ، فتسلطون عليهم، حتى يختبئ احدهم وراء الحجر، فيقول الحجر: يا عبد الله ، هذا يهودي ورائي فاقتله!! وروى مسلم عن ابي هريرة عن النبي (صلعم) : ” لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، الا الغرقد فإنه من شجر اليهود.” (ص 167)
ويدرس هذا الحديث لطلاب المدارس في الدول الاسلامية ومن ذلك كتاب الحديث للصف الثالث المتوسط في مدارس المملكة السعودية كما جاء في الدرس الخامس والاربعون في كتاب الحديث الشريف (1996) للصف الحادي عشر الصادر عن السلطة الوطنية الفلسطينية: “عن ابي هريرة، رضي الله عنه، ان رسول الله (صلعم) قال: ” لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي ، فتعال فاقتله ، الا الغرقد فإنه من شجر اليهود.” (ص 200)

كما جاء الحديث في ميثاق حركة المقاومة الإسلامية حماس 18( آب [أغسطس] 1988 ميلادية): “هذا وإنْ تباعدت الحلقات وحالت دون مواصلة الجهاد العقباتُ التي يضعها الدائرون في فلك الصهيونية في وجه المجاهدين، فإن حركة المقاومة الإسلامية تتطلع إلى تحقيق وعد الله مهما طال الزمن، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ” لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود “. (رواه البخاري ومسلم)
ويذكر الداعية السعودي محمد العريفي: “إن الدراسات في تل أبيب والأراضي المحتلة أثبتت أن اليهود يزرعون حول بيوتهم شجر الغرقد لأن النبي أخبر بأن المسلمين إذا قاتلوا اليهود فإن كل حجر وشجر يقول يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود”. ويضيف العريفي الذي كان يتحدث لقناة “الأقصى” التابعة لحركة حماس بتاريخ 12 من ايلول سبتمبر 2008: “فالآن التقارير لمن ذهبوا إلى هناك ورأوها يقولون إن كثيراً من اليهود يزرعون حول بيوتهم غرقداً .. لأجل إذا جاء القتال يستطيع أن يختبئ … لأنه ليس برجل ليقف أمام المسلم ويقاتله”. وقد استفسرت من العديد من اليهود القاطنين في مدينة القدس ومدينة تل ابيب عن شجر الغرقد فلم اجد احد منهم يعلم ما هو شجر الغرقد كما لم اجد اي فلسطيني يعلم علم اليقين ان كان اي يعرف يهوديا قد زرع شجر الغرقد للاختباء وراءه يوم القيامة. ولا ادري ان كان الاختباء وراء الشجر او الحجر سيفيد احدا في يوم القيامة ولو كان من اشد الكفار.

ومن الجدير يالذكر في هذا النطاق ما ورد في كتاب د. صلاح عبد الفتاح الخالدي، الخلفاء الراشدون بين الاستخلاف والاستشهاد : ” فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله (صلعم) قال: “لا تقوم الساعة، حتى تقتتل فئتان عظيمتان، مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة”!

والسؤال الذي نحاول الاجابة عليه هنا هو: هل هذا الحديث صحيح ويتوجب قبوله بدون اي مناقشة؟ وهل كل كلمة جاءت به صحيحة تنطق بالحق، وعلينا التسليم بها ؟ على الاقل هو حديث قابل للشك فيه، وذلك لعدة اسباب اهمها:

اولا: لان هذا الحديث يتعارض مع مفهوم الاسلام وتعاليمه ويتناقض مع المبادئ السمحة للشريعة الاسلامية التي تكفل حقوق الغير ومنهم اليهود والمسيحيين وغيرهم. وليس من صفات الاسلام التزمت العنيف المتطرف الداعي للقتل وذبح الاخر. وقد نهى القرآن الكريم عن الغلو بلفظ صريح في سورة النساء :} يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم{ (النساء: 171), وفي قوله في سورة المائدة: } يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق{ (المائدة: 77). فالايمان والعمل الصالح هما الشرطان اللذان يحددهما الله تعالى لدخول الجنة. والعمل الصالح يعني اتباع اوامر القرأن الكريم وتجنب كل نواهيه.

ثانيا: لان هذا الحديث يتعارض مع النصوص القرآنية. ان القرآن الكريم كلام الله جل جلاله، ولذا فان احاديث الرسول الكريم وكما ذكر في ما ذكر من احاديث عليها ان لا تتعارض مع كلام الله العزيز الحكيم. وهنالك احاديث نسبت للرسول ولكن رفضت وانكرت لان القرآن لم يعززها او يتماشى معها. ودرج أئمة الفقه الإسلامي على اقرار الأحكام وفق اجتهاد يعتمد على القرآن أولا، فإذا اتسق معه قبلوه، وإلا فالقرآن أولى بالاتباع. ومن هذه الاحاديث: “يعذب الميت ببكاء أهله عليه”، لتعارضه مع قول الله سبحانه وتعالى: }ولا تزر وازرة وزر أخرى{ ( الأنعام: 164). ويقال انه عندما سمعت عائشة –رضي الله عنها- هذا الحديث أنكرته، وحلفت أن الرسول ما قاله كونه يخالف القرآن. ومع ذلك، ما زال هذا الحديث مثبتا في الصحاح. وحديث آخر: “لا يقتل مسلم بكافر”، الذي رفضه الشيخ الغزالي مع صحة سنده لمخالفته النص القرآني: }النفس بالنفس{ وقوله بعد ذلك: }فاحكم بينهم بما أنزل الله.{ ( المائدة: 48). وقد سوى سبحانه وتعالى بين النفس والنفس في التوراة والقرآن. وكان أبو حنيفة قد ذكر: “من له ذمة وعهد فقاتله يقتص منه.” وعليه فإن الحديث يحكم عليه بالرفض لأن المتن معلول لمخالفته للنص القرآني.

ثالثا: لأن الله سبحانه وتعالى قرن أمر إطاعة الرسول فيما يدعوهم اليه من الايمان بما أنزل اليه بإطاعة الله أولا: }فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله {( الانفال: 1). وقوله:} أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه{( الانفال: 20). وقوله:} وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا{( الانفال: 46). وقوله: }قل أطيعوا الله والرسول{( آل عمران: 32). وقوله:} وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون{(آل عمران: 132). وقوله: }ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار {( النساء: 13). والله لم يدعوللاقتتال مع اليهود في يوم القيامة.

رابعا: لأنه لا يوجد فيما بين 6346 آية في القرآن الكريم اية آيات تحض على قتل اليهود في يوم القيامة كيهود أو إبادتهم كبشر كونهم قد اعتنقوا الديانة اليهودية. ومن السهل الاثبات او النفي حول صحة الحديث بالرجوع الى نص القرآن الكريم. وقد جاء في قوله تعالى: }إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.{ (المائدة: 69). وفي قوله تعالى: } وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين.{ (المائدة: 46).

خامسا: لأنه لا يوجد في القرآن الكريم آيات تطالب المسلمين بالقضاء على من اختلفوا معهم في الدين والاقتتال معهم يوم القيامة. وقد جاء في قوله تعالى: }ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين. {( يونس: 99).

سادسا: لأنه يتعارض مع ما جاء في القرآن الكريم انه لن يكون للمسلم او لغيره دورا في محاسبة البشر يوم القيامة، سواء كانوا مسلمين او مسيحيين او يهود او كفار. وذلك كما جاء في قوله تعالى: }ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون.{ (الانعام: 164). وقوله: }إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون{ (الجاثية:17). وقوله: }إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا{ (النبأ: 40). وكل انسان يوم القيامة سوف يواجه ما فعلت يداه، كما جاء في قوله تعالى:}انا انزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما انت عليهم بوكيل{ (الزمر:41). وفي يوم القيامة لن يكون هنالك اقتتال بين البشر بل عودة للخالق حسب ما جاء في القرآن الكريم: }والى الله المصير.{ (فاطر:18). وحينئذ سيقف الجميع على قدم المساواة في مواجهة مصيرهم: }وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى.{ (النجم: 39). وفي قوله تعالى: }فأذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون.{ (المؤمنون:101). وهو يوم الحساب لكافة البشر كما جاء في قوله: }يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفي كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون.{ (النحل:111). ويخاطب الله تعالى اليهود بقوله : }وقلنا من بعده لبني اسرائيل اسكنوا الارض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا.{ (سورة الاسراء: 104)، ولم يقل جئنا بكم مقتولين او مذبوحين.

سابعا: لإن المسلم مطالب بالايمان بقيم اليهودية والمسيحية التي لا تتعارض مع الاسلام الذى دعا الى عدم التفرقة بين الرسل: }آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله{ (البقرة: 285). واليهود وصفوا في القرآن بانهم من أهل الكتاب: }إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتب الله.{ (المائدة: 44). وهنالك العديد من القيم والتقاليد المميزة التي تشترك بها الديانتين الاسلام واليهودية، ومثالا على ذلك تحريم تناول لحم الخنزير، ولزوم ان تكون الحيوانات مذبوحة على الطريقة الشرعية قبل جواز اكلها، وحتى في ما يتعلق باللباس وتحريم شرب الكحول والمسكرات وتحريم اكل لحم الميت وشرب الدم.

ثامنا: لأن هذا الحديث يتعارض مع الاخلاق النبوية وينسب للرسول ما ليس من صفاته من تطرف وغلو. فقد كان الرسول بنفاذ بصيرته يدعو الى حل الاختلاف بالحوار، وبالحكمة، والموعظة الحسنة، وليس من صفاته ان يدعو لأمر كهذا فيه غلو وحدة وتعصب وعنف وتأجيج لمشاعر الكراهية والحقد بين البشر نهى عن ممارستها في العديد من احاديثه. وهو القائل: “خير الامور اواسطها”. وقد عبر الرسول الكريم عن هذا المنهج الوسطي في الروايات التالية: “حضر رجل الى رسول الله (صلعم) وعلى وجهه إمارات الغضب، وقد أمسك بتلاليب رجل آخر وهو يقول: “يا رسول الله، إن هذا الرجل سرق مني كذا وكذا…” فرد عليه الرسول قائلا: “لا تقل سرق ولكن قل أخذ.” وعن عبدالله بن عمر (رضي الله عنه) قال: ” كنا إذا بايعنا رسول الله (صلعم) على السمع والطاعة…يقول لنا: “فيما استطعتم.” .” قال احد اليهود للرسول: “السام عليك.” فردت عليه عائشة: ” عليكم ولعنكم الله، وغضب الله عليكم.” فقال لها الرسول: “مهلا يا عائشة، عليك بالرفق، واياك والعنف والفحش.” قالت: ” أو لم تسمع ما قالوا.” قال: ” أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في.” وينسب هذا الحديث للرسول الكريم صفة التعصب والغلو الذي يحرض الانسان على ممارسة العنف وقمع الآخر. فالمتطرف يحب ويكره بتطرف ويرفض الحوار والتسامح والتساهل ولا يوجد عنده حالة وسط. والتطرف صفة تتناقض مع صفات التسامح والركون الى الحوار والتفاهم والعقلانية التي اتصف بها الرسول. ومن ذلك ما روي أن الرسول (صلعم) في صلح الحديبية أملى كتاب الصلح على علي ابن ابي طالب قائلا: “إكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله”، فاعترض مشركو قريش قائلين: “لو كنا نعتقد أنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن إكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله.” فقال الرسول للكاتب: “اكتب ما يريدون.” قال للرسول احد اليهود: “السام عليك.” فترد عليه عائشة :” عليكم ولعنكم الله، وغضب الله عليكم.” فقال لها الرسول: “مهلا يا عائشة، عليك بالرفق، واياك والعنف والفحش.” قالت: ” أو لم تسمع ما قالوا.” قال: “أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في.” ونقل عن ابي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلعم) يقول: “من قتل رجلا من أهل الذمة حرم الله عليه الجنة.”

تاسعا: لأن اليهودي انسان كغيره من البشر وقد كرم الله تعالى الانسان في قوله: }ولقد كرمنا بني آدم{ (الاسراء: 70). واليهودي كغيره من بني آدم سيقف بين يدي الله تعالى يوم القيامة ليحاسب على اعماله وما اقترفت يداه في دار الدنيا كما جاء في قوله: }وكل انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا{ (الاسراء: 13) .

عاشرا: لأن هذا الحديث يسبغ على الرسول الكريم صفة ليست من صفاته هي صفة التنبؤ بالمستقبل. ففي الحديث يتنبأ الرسول بالمستقبل مع ان القرآن الكريم نفى معرفة الرسول للغيب. }يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل أنما علمها عند ربي{ (الاعراف). فالرسول بشر: }قل إنما أنا بشر مثلكم{ (الكهف: 110).. }قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي.{ (فصلت: 6). كما جاء في القرآن الكريم: }وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل{ (آل عمران: 144). وقوله في القرآن الكريم: }قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا.{ (آلإسراء: 93). ويروى انه عندما مات ابراهيم ابن النبي من مارية القبطية بكى الرسول، فقال له احد الحاضرين: “يا رسول الله…تبكي وانت رسول الله؟” فرد عليه الرسول:” إنما أنا بشر…تدمع العين، ويخشع القلب.” كما ارتعش رجل في حضرته فقال له: “هون عليك فلست بجبار ولا ملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد.” ولا يعلم الرسول كأحد بني البشر متى تقوم الساعة وماذا سيحل به وبأمته: }قل ما كنت بدعا من الرسل وما ادري ما يفعل بي ولا بكم ان اتبع إلا ما يوحى الي وما انا إلا نذير مبين{ (الاحقاف: 9).

احد عشر: لأن هذا الحديث يتعارض مع حديث الشفاعة التالي: حدثنا محمد (صلعم) قال: “اذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون له اشفع لنا الى ربك قيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فانه خليل الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيأتون موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى فانه روح الله وكلمته فيأتون عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد (صلعم) فيأتوني فأقول أنا لها….” فهل يعقل ان يأتي الناس لموسى وهو كليم الله ليكون شفيعا لهم لو انهم كانوا قد ابادوا أمته؟

اثنى عشر: لأن الاسلام ينهي عن قتل النفس البريئة. ولو اقترف المسلم كبيرة كقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ومات فهو في النار ولو كان يقيم العبادات ويؤمن بالله ورسوله:}ولا تقتلوا النفس التي حرم اللهَ إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون{ (الانعام: 151). وقال: } ولا تقتلوا النفس التي حرم اللهَ إلا بالحق{ (الاسراء: 33). فكيف اباحة قتل الاطفال والنساء والشيوخ اليهود في الوقت الذي يحرم الاسلام حتى في ظروف الحرب قتل العزل والابرياء واقتلاع الاشجار وذبح الحيوانات. قال تعالى: } من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا{ (المائدة: 32). ثالث عشر: لأن الاسلام ينهي عن العدوان. وقد اتسم الجهاد الاسلامي بكونه قتالا ليس بهدف القتل والعدوان دون مبرر بمقتضى قوله تعالى: }ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.{ (المائدة:87). بل بكونه قتالا مشروطا بالدفاع عن النفس والممتلكات والعقيدة حيث لم يرد في الحديث مبررات الاقتتال او ان اليهود سوف يقاتلون المسلمين حتى تطبق الآية: } فان قاتلوكم فاقتلوهم{ (البقرة: 191). وحتى في هذه الحالة فان الاقتتال للمقاتلين فقط وليس للعموم. والسلام هو الاصل والقتال هو الاستثناء. }وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين{ (البقرة: 190) وقوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) (البقرة:216). كما جاء: }وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب{ (المائدة: 2).

رابع عشر: لأن الاسلام يدعو للحرية الدينية بمقتضى الآيات القرآنية: }قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ.{ وقوله: }لا إكراه في الدين. {(البقرة: 256). وكانت هذه الآية قد نزلت في رجل من الانصار يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما. فقال للرسول (ص): “ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟” فأنزل الله سبحانه هذه الآية. وايضا في قوله سبحانه: } ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء{ (البقرة: 272). وكانت هذه الآية قد نزلت لتنهي الرسول عن منع الصدقة عن المحتاجين من المشركين ما لم يعتنقوا الاسلام.

خامس عشر: لأنه يوجد هنالك آيات صريحة تكف يد الرسول عن الخروج عن الوحي القرآني وتقيده تقييدا مطلقا بسلطة الوحي، ولا تترك له من مبادرة إلا الامتثال لما يوحى به اليه من دون ان يخرج عنه. ومن ذلك قوله تعالى: } يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي.{ (الأعراف: 187). وقوله تعالى: } يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي.{ (الاسراء: 85). والنبي الكريم من الفطنة وبعد النظر ما يجعله ينأى بنفسه عن ايقاعها موقع التناقض مع القرآن الكريم. ولنا (في رسول الله أسوة حسنة) (الاحزاب: 21). فكيف يدعو النبي الكريم لقتال اليهود وقتلهم إن كان الله سبحانه وتعالى يأمر بالعفو والمغفرة والصفح حسب ما جاء في الآية الكريمة: }ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير{ (البقرة: 109 ). فالرسول بشر لا يميزه شيء عن سائر البشر إلا كونه يوحى اليه وحيث ان فحوى هذا الحديث لم يوحى به فلا يمكن اعتماده.

سادس عشر: لان الخيال غلب على هذا الحديث في القول ان الحجر والشجر سوف ينطقان بلغة البشر ولم يأت ذكر ذلك في القرآن الكريم. فكيف سوف يتكلم الحجر والشجر بلغات البشر المتعددة وفي كافة المناطق حول العالم التي يتواجد فيها المسلمون واليهود ؟

سابع عشر: لأن الرسول نال تقريعا إلهيا عندما مال الى تبرئة مسلم في تهمة سرقة وتوجهه لإدانة رجل يهودي بريء. والقصة كما تروى “أن رجلا من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق سرق درعا من جار له. وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتشر من خرق في الجراب حتى انتهى الى الدار وفيها أثر الدقيق، ثم خبأها عند رجل من اليهود. فالتمست الدرع عند السارق فلم توجد عنده، وحلف لهم انه ما أخذها وما له بها من علم. فلما حلف سارق الدرع تركوه واتبعوا أثرالدقيق حتى انتهوا الى منزل اليهودي، فوجدوا الدرع، فدافع اليهودي عن نفسه بقوله انه دفعه اليه المسلم (سارق الدرع) ولا علم له بان الدرع مسروق. وشهد له جيرانه اليهود على ذلك. فأخذوهم وانطلقوا الى الرسول وكلموه في ذلك، وسألوه أن يدافع عن صاحبهم المسلم قائلين: “إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودي. فهم الرسول أن يفعل وأن يعاقب اليهودي، أنزل الله تعالى الآية الكريمة: } إنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين.{ ( سورة الزمر:41). وفي هذه الآية يأمر القرآن بالحق والعدل ويأمر الله سبحانه الرسول بالاستغفار مما هم به من محاباة للكاذبين من المسلمين على حساب الصادقين من اليهود وسواهم.

ثامن عشر: لأن لا حاجة للمسلمين بمقاتلة اليهود بسبب ما اختلفوا فيه معهم، ولو رغب الله العلي القدير بانزال العذاب على قوم انزل عليهم الملائكة: }يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين{(الفرقان: 22). وكانت الملائكة قد انزلت على قوم لوط لإيقاع العذاب بهم عقابا لهم على ما انتشر بينهم من فساد: }ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين{ (الحجر:8) . ونقل عن ابي بكر (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلعم) يقول: “من قتل رجلا من أهل الذمة حرم الله عليه الجنة.”

تاسع عشر: لأن الاسلام يؤكد على احترام العهود والمواثيق، كما جاء في الآية الكريمة: } وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا.{ ( الإسراء: 34). وهنالك عهود ومواثيق بين أهل الإسلام وأهل الكتاب ومنهم اليهود.

عشرون: لأن المسلم مطالب بالبحث عن الحق والتحري عن الحقيقة، كما جاء في الآية الكريمة: }ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون.{ ( البقرة: 42).

واحد وعشرون: لأن هذا الحديث ظهر فيه طبائع الجاهلية. فقد لجأت القبائل في المجنمع الجاهلي الى القوة والعنف لتحقيق مصالحها، وتسوية خلافاتها، وسلب ممتلكاتها، وسبي نسائها وبناتها، وفرض نفوذها. وفي العديد من الاحيان، وجدت بعض المجتمعات في العصور المختلفة نفسها مضطرة للجوء الى القوة والعنف للدفاع عن نفسها او لاسترداد حقوقها او للحصول على حرياتها واستقلالها. وفي المقابل ، يحتكم المجتمع الاسلامي المتحضر للقانون ويعترف بالآخر وتسود فيه قيم التسامح والسلام. فلماذا الاحتكام لمنهج الجاهلية من استخدام القوة والعنف والاقتتال مع اليهود في حين يأمرنا الله سبحانه وتعالى في المنهج الاسلامي: }ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن{ (النحل: 125).

ثاني وعشرون: لأن الاسلام دين رحمة ومحبة وتسامح ولا يكره احدا على أن يصبحوا مسلمين. خاصة وان التسامح الديني وحرية العقيدة هما بالفطرة عند الاسلام. ونجد العديد من الآيات القرآنية التي تدعو للحرية الدينية ومنها: }لا إكراه في الدين{( البقرة: 256). كما نجد العديد من الآيات القرآنية التي تدعو للايمان بالله تعالى وبكتبه وبرسله وبملائكته. فعندما يخاطبنا الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة: }وما ارسلناك الا رحمة للعالمين{ (الانبياء:107)، فان هذه الرحمة تسري على كافة البشر ومن بينهم اليهود والنصارى وغيرهم. كما جاء: } ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون{ (يونس: 47).

ثالث وعشرون: لأنه حين بدأ تدوين الحديث بعد ماية وخمسين عاما من موت الرسول ظهرت مئات الالوف من الاحاديث المنسوبة للرسول وتم اسقاط العديد منها. ويروي السيوطي في كتابه تنوير الحوالك وابن فرحون في كتابه الديباج المذهب، أن الإمام مالك بن أنس (179-91 هجرية) روى مئة ألف حديث اختار منها في كتابه الموطأ عشرة آلاف، ثم لم يزل ينظر فيه كل سنة ويسقط منه حتى بقي 500 حديث فقط. أما محمد بن اسماعيل البخاري (256-194 هجرية) فقد قال: “خرجت الصحيح من ستمئة ألف حديث.” (أنظر مقدمة فتح الباري لابن حجر). أما مسلم بن الحجاج القشيري (268-204 هجرية) فقد نقل أنه صنف صحيحه من ثلثمئة ألف حديث. (أنظر المنهاج للنووي). وأما الإمام أحمد بن حنبل (ت 228 هجرية) فيقول: “جمعت هذا الكتاب وانتقيته من أكثر من سبعمئة وخمسين ألف حديث.” (أنظر مقدمة مسند أحمد للشيخ أحمد محمد شاكر).

رابع وعشرون: لأنه من المعروف أن هنالك العديد من الأحايث المزورة والكاذبة المنسوبة للرسول. ويذكر ابن خلكان أن الكاذبون كثيرون لا يحصيهم العدد من أشهرهم: ابن أبي يحيى في المدينة والواقدي في بغداد ومقاتل بن سليمان في خراسان ومحمد بن سعيد بالشام ومنهم: عبد الكريم بن أبي العوجاء وأحمد بن عبدالله الخونباري ومحمد بن عكاشة الكرماني ومحمد بن تميم الفارابي وسيف بن عمر التميمي وسعد بن طريف ومأمون بن أحمد السلمي وغيرهم ممن أسند زورا وبهتانا أحاديث للرسول حتى روي عن الإمام البخاري قوله بأنه يحفظ مئتي ألف حديث غير صحيح. (أنظر: د. محمد شحرور، السنة الرسولية والسنة النبوية: رؤية جديدة (2012) صفحة 19). ومن ذلك الاحاديث التالية: “خذ من القرآن ما شئت لما شئت.” والحديث: “إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه.”

خامس وعشرون: لأن القرآن الكريم وحي من الله الى البشر من خلال الرسل، وكما جاء في الآية التالية: }وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء{ (الشورى:51). وقد أوحى الله سبحانه وتعالى الى الرسول محمد كما جاء في الآية: }فأوحى الى عبده ما أوحى.{ (النجم: 10). كما أوحي الى نوح من قبله والى ابراهيم والى موسى والى عيسى. ونجد الوحي مع موسى في الآية: }وناديناه من جانب الطور الأيمن.{ (مريم: 52). وفي الآية التالية: }ولما جاء موسى لمقياتنا وكلمه ربه{ (الأعراف:143). وفي الآية التالية: }فلما اتاها نودي بموسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى.{ (طه: 11-13). وكما جاء في الآية: }وكلم الله موسى تكليما.{ (النساء: 164). ومن هذه الآيات الدينية وغيرها نجد انه ليس من العقل والمنطق أن يسمح الله سبحانه وتعالى بوقوع معركة فاصلة بين اتباع موسى واتباع محمد يبيد فيها طرف الطرف الآخر.
سادس وعشرون: عندما يتحدث القرآن الكريم في سورة الجاثية عن قيام الساعة وكل أمة تدعو الى كتابها لا يأتي أي ذكر فيها الى اقتتال بين المسلمين واليهود.

مما سبق، يتبين لنا أن هذا الحديث في مجمله موضع شك وامر صحته مستبعدا تماما وغير قابلا للتصديق كونه يتعارض مع ثوابت قرأنية وقيم اسلامية والسنة النبوية.. كما وانه ليس في هذا الحديث أي نفع للاسلام والمسلمين بل على العكس فيه اساءة لسمعة الاسلام ويستغل للتحريض ضد المسلمين. وقد اصر عددا من رجال الدين على صحة هذا الحديث وعلى أنه جزء من دين الله، ونجد من اسباب تعلق البعض به الصراع العربي- الاسرائيلي. فهل كانوا ليتمسكون فيه لو لم يكن هنالك نزاع عربي – إسرائيلي واحتلال صهيوني عسكري لفلسطين وللقدس الشريف؟
وقد ذكر ابن فرناس في كتابه، الحديث والقرآن (2008)، أنه لو أتاح المسلم “لنفسه الفرصة لتقليب أي كتاب من كتب الحديث، وتمعن فيما يقرأ، فسيجد قصصا وأخبارا وأساطير من كل حدب وصوب، وكلها تنسب لله وللرسول. برغم أنها تخالف ما يقوله الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم، وما كان عليه الرسول من الخلق القويم، بل وتنسب لله ما لا يليق، ولرسوله ما لا يعقل.” (ص: 7). ومن المعلوم أن بعض الاحاديث الفت لاحقا لاثبات غايات متعددة، ومن الغالب أن هذا الحديث منها. فقد حرم معاوية بن ابي سفيان وخلفاؤه من الحكام الامويين الخروج عليهم عن طريق بعض الاحاديث المزورة المنسوبة الى الرسول الكريم التي تدعو المسلمين الى طاعة الحكام وعدم الخروج عليهم حتى لو قمعوهم وأكلوا مالهم، ورموا الخارجين عليهم بالكفر. ولكي يستكين الناس ظهرت أحاديث تنص على أن حكام المسلمين يجب أن يكونوا من قريش فقط.

ويروي الطبراني في المعجم الكبير عن عبد الله بن سليمان الليثي قال:”قلت يا رسول الله أسمع منك ما لا أستطيع أن أؤديه، فأزيد فيه حرفا أو أنقص منه حرفا.” فقال: “‘ذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس.” ويقول الإمام الشافعي في كتاب الأم (ج 7 ، ص 308): ” حدثنا ابن أبي كريمة عن رسول الله، أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى فصعد المنبر فخطب الناس فقال: “إن الحديث سيشفو علي، فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني.” وينقل الإمام السيوطي في كتاب مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص 17) عن البيهقي يروي في سننه عن ابن عباس قال: “إذا حدثتكم بحديث عن رسول الله لم تجدوا له تصديقا في كتاب الله فإنه كاذب.” (أنظر: د. محمد شحرور، السنة الرسولية والسنة النبوية: رؤية جديدة (2012) صفحة 21)

وفي الخلاصة، فإن القرآن وحيا الهيا، والحديث ليس وحيا، ولا يستوي القرآن كونه كلام الله والحديث كونه كلام الانسان. وكان الرسول الكريم قد منع جمع وكتابة الاحاديث في عهده كي لا تختلط مع نصوص القرآن. وقد جرى خلط كثير في أحاديث الرسول الكريم وعلينا اعادة النظر في ما ندرسه لابنائنا منها فنحذف منها ما زور مما يتعارض وما جاء في القرآن الكريم ومن أهمها هذا الحديث الذي يحرض على القتل والكراهية والحقد وفيه تناقض واضح مع تعاليم الإسلام وأخلاق الرسول الكريم وصفاته.
ونحن كلنا بشر نخطئ ونصيب وليس فينا معصوم. وكما جاء في حديث للرسول:” من اجتهد وأصاب فله اجران، ومن اجتهد فأخطأ، فله أجر واحد.” وقد قال الله تعالى: }فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.{ (الرعد: 17). ونطلب المغفرة بمقتضى قوله في كتابه الحكيم: }ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.{ (البقرة: 286).

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *