زيارة الى معسكرات الاعتقال النازية اوشفيتس في بولندا
يعقوب بدوي
مع بداية الفصل الاول من العام الجامعي 2013-2014 في قسم الدراسات الامريكية في جامعة القدس تم طرح نقاش عن الرحلة المنوي عقدها الى بولندا بتمويل من الحكومة الالمانية وذلك من اجل زيارة معسكرات الاعتقال النازية الالمانية في مدينة اوشفيتس البولندية ابان الاحتلال الالماني لبولندا في الحرب العالمية الثانية . ان موضوع الرحلة هو بحثي بحت ويهدف لمعرفة الحقيقة والاطلاع على معاناة الاخر وكانت المادة العلمية التي دابنا الى دراستها في هذا الفصل الجامعي هي مادة الدين في التراث الامريكي وهي المادة العلمية التي تفتح افاق معرفية شتى منها الاطلاع على ثقافات الشعوب المختلفة كون ان المجتمع الامريكي مجتمع مختلط الثقافات .ومنها ما هو تمعنا في ظروف النشاة والتكوين واستمرارية حياة تلك الثقافات مرورا بطقوسها الدينية وعاداتها وتقاليدها ,ومن هذه الشعوب من عانى وتحمل الالم من اجل الحفاظ على استمرارية وجود جنسه البشري مثل الهنود الحمر ومنهم من تمت ابادته وعمل جاهدا من اجل الحفاظ على دينه وعرقه وتاريخه مثل الارمن ومسلمي بورما ومنهم من سعى العالم لابادته والتخلص منه مثل اليهود ولم نضيع فرصة كذلك في الحديث عن الجرح الدامي الذي يشتمل على كل انواع المعاناة ومحاولات الابادة سواء كانت للجنس البشري او للدين او للارض وهي النكبة الفلسطينية التي بدات منذ 1948 وحتى اليوم .وبما ان الوقت المعطى لهذه المادة لم يكن كافيا فلم يكن هناك ما يمنعنا من تمديد فترة المعرفة والتعلم حتى بدانا فيها الفصل الدراسي الثاني لنكملها في دراسة مادة حلقة دراسية في الدراسات الامريكية , فيوم للمعرفة ويوم للبحث واخر للنقاش وابداء الراي واخر لعرض الابحاث والعروض التقديمية تم الاقتراب من استكمال المادة العلمية المقررة حول الاخلاق وثقافات الشعوب ولم يكن ينقصنا سوى التطبيق العملي لاثراء منظومة البحث العلمي لدينا والتي لا يمكن لنا ان ندركها دون الوقوف على الاثر الملموس لمعاناة بشرية متخصصة يمكن من خلالها ربط الماضي بالحاضر والاطلاع على القيم الانسانية وان كانت ثابته او متحولة . ومعرفة هل يستشعر الكائن البشري حقيقة كوارث ومصائب الاخرين ليسخرها بما هو خير لبناء اسس جديدة لقيم جديدة قائمة على فهم الاخر والاحساس بمعاناته .
نشات الفكرة وتم التجهيز لها من خلال مجموعة بشرية عاقلة مدركة اطلقت على نفسها اسم قلوب من لحم وليست حجر وهي مستعدة للبحث والاستنتاج وتقديم النتيجة وتسخيرها لخدمة المجتمعات الانسانية وتم تحديد موعد الرحلة الى بولندا في 24-مارس-2014 لتنطلق من قلب فلسطين الى بولندا مرورا بالمانيا والاردن كمعابر حدودية وتستمر حتى 31-3-2014 . في الرابع والعشرين من مارس 2014 انطلقت بنا رغباتنا في الاستكشاف والمعرفة من فلسطين باتجاه الاردن حيث مطار الملكة عالية الدولي ونصعد الطائرة منطلقين في رحلتنا عند انتصاف الليل متجهين الى مطار فرانكفورت الدولي ثاني اكبر مطارات العالم في المانيا البلد المضيف من خلال جامعة فريدريك شيلر في جينا والوصول الى فرانكفورت صباح يوم 25 مارس 2014 وبعدها نقلع بطائرة اخرى الى مطار كاراكاو في بولندا في رحلة استمرت قرابة ساعتين حيث كان بانتظارنا البروفيسور مارتن اومالي من جامعة فريدريك شيلر الالمانية واخرون وتم استقبالنا بحفاوة حتى نزولنا الفندق في مدينة كاراكاو الذي تم حجزه مسبقا لخدمتنا وفيه تم الترحيب بنا واطلاعنا على برنامج الزيارة وفي ساعات المساء قمنا بتعبئة استبيان يعكس انطباعاتنا عن موضوع الزيارة قبل البدء بالبرنامج .وانتشرنا لاستكشاف العاصمة القديمة لبولندا كل حسب رغبته وعلى طريقته . 26-3-2014 كانت اولى الجولات السياحية في مدينة كاراكاو لمجموعة الطلبه الفلسطينيين برفقة دليل سياحي بولندي انثى قامت خلال الجولة السياحية بتمكيننا من زيارة اقدم الاماكن في بولندا منها الساحة الكبرى واقدم الكنائس في المدينة وتم التقاط العديد من الصور لهذه الاماكن واستمرت الجولة السياحية حتى ساعات العصر حتى حان موعد الغداء في احد المطاعم التي تطل على المدينة من الاعلى .
27- 3 – 2104 غادرنا مدينة كاراكاو باتجاه مدينة اوشفيتس حيث نزلنا هناك في نزل اشبه ما يكون بسكن جامعي داخلي تتوفر في سبل الراحة والدراسة ويقدم الوجبات الرئيسية الثلاث بمستوى مرموق وكانت الخدمة فيه على مستوى من الاناقة ولم يكن هناك اي احتجاج او شكوى على الطعام او النوم او سبل الراحة .
انطلقنا ها هنا في مسيرة الاستكشاف فنحن الان في اوشفيتس المكان الاكثر اهمية والاكثر قداسة لدى اعدائنا اقصد الاحتلال الاسرائيلي وحصل هنا ما لم يتوقعه احد ………… الطلبه الفلسطينيون في اوشفيتس .. سوف يذهبون الى بيركناو . سيشاهدون المتحف : متحف المحرقه : سيشاهدون بصورة حية وبدون كاميرات ولا كتب ولا وسائل اعلام ….. ارض الكارثة اليهودية … الطلاب في وجل وبعضهم غير مهتم لهذا الوجل . البعض الاخر يريد ان يثبت انه حضر الى هنا وبرغم انه غير مصدق لذلك ولكن يمكن للصورة ان تساعد على التوضيح وتساعد على الخروج من الحلم .. البعض حاول الاكتفاء بانه وصل اوشفيتس وانتهى . والبعض الاخر حاول الجلوس امام المدخل والبقية اكدوا لانفسهم انهم حضروا من نصف العالم الى النصف الاخر ليقوموا بشيء مميز ولكن قبل الدخول الى بوابة بيركناو الجميع كان متوقف هناك بعد ان هزم جميع افكاره ومخاوفه وعلم انه في مشروع دراسي بحت لا يغضب ربه ولا دينه وشجعنا على ذلك ان الوفود السياحية المتواجده والقادمة والمغادرة هي من شتى بقاع الارض فشاهدنا الروس والالمان والطليان والصينيين والكوريين والهنود والاسبان . وصلنا الى معسكر بيركناو في مدينة اوشفيتس والحديث هنا عن معسكر يمكن ان نشاهد اوله وليس بالاستطاعه معرفة حدوده جميعها ليس منعا امنيا ولكن من كبر مساحته . لا يوجد اجراءات امنية ولا نقاط تفتيش ولا يوجد من يمنع او من يسمح . ولا اشارات توجيهيه وارشاد , لا يوجد حراس امنيين . لا يوجد اصوات ولا مكبرات صوت ….لا يوجد اعلام ولا رايات نحن الان ندخل الى معسكر الابادة النازي بيركناو :::: البوابه المشهورة التي تظهر صورتها على مواقع الانترنت . ينبثق منها بالاتجاهين سلك شائك بارتفاع ثلاثة امتار تقريبا مثبت على اعمده اسمنتية معقوفة من الاعلى صنعت خصيصا بشكل هندسي لغايه حمل عشرة خطوط من الاسلاك او اكثر من كلا الاتجاهين وحاملات السلك التي تظهر من الاعمده الاسمنتية تدل على انها اسلاك موصوله بمصدر تيار كهربائي , والمسافة ما بين السلك والاخر تقدر بعشرون سنتمتر وهناك غرف حراسة محفورة في الارض بشكل قوس محصن خارج السياج كما وهناك ابراج مراقبة داخل السياج .واعدادها كبيرة جدا .وجميعها بتصميم هندسي موحد وفي اماكن موزعة هندسيا بحيث لا يمكن الوصول اليها او الحاق الضرر بها .ثم يلي ذلك على بعد مترين تقريبا سياج اخر بنفس المواصفات.
تشتم الان رائحة الكارثه بدات تسير الى انفك حتى تسري في عروقك . فالمكان تم تجهيزه لذلك خصيصا الارض الغير مستويه ومكاتب الجيش الالماني في البنايات المحيطة الحمراء المسودة التي تعطيك شعورا انها احترقت مع البشر وهي شبه خاليه الا من ذكرى لمن لديه ذكرى او لاهله او قصة رويت له ويريد ان يرويه لغيره .. ثم تنظر حولك لترى الاشجار الغير مخضرة الا بخضرة تنم عن انها شجرة .. وعلى الارض يمكنك ان تشاهد الغراب الاسود فقط باعداد لا باس بها .
الان نحن على المدخل الثاني عل بعد عشرات الامتار من المدخل الرئيسي وبانتظارنا عجوز بولندية هي عبارة عن الدليل السياحي داخل المعسكرات وهنا يمكنك ان تحمل سماعات الاذن مع جهاز استقبال حتى تتمكن من الاستماع اليها فهي تتحدث الانجليزية وتحفظ تاريخ المنطقة بشكل فوق الطبيعي وتتحدث اثناء سيرها اذ انه لا يمكن الوقوف والحديث حفاظا على الوقت ولوجود زائرين اخرين لا يمكن اعاقتهم ويتحدثون بلغات مختلفه اخرى . توجهنا الى المتحف او الى قاعات العرض فقبل كل قاعة عرض فهناك صورة مجسدة على شكل لوحة من الزجاج تشرح المكان وما حل فيه وهذه الصور ملتقطة في نفس المكان ولا يوجد اختلاف بينها وبين الواقع الا انها بالابيض والاسود والناس الذين فيها غير موجودين فهي تظهر الارض والحجر والشجر السلك الشائك .
اول المتحف وقبل ان تدخل ونظرا لانك تدخل الى مجهول وفي اذنيك السماعات وتستمع الى الدليل يدخل الى عروقك بعد اذنيك اصوات استغاثة وطلب مساعده وتوسل وصراخ الجنود وصوت القطار صادرة من اعداد كبيرة من النساء والاطفال ويختلط فيها صوت الدليل باللغة الانجليزية لتعلم انها تسجيلات لاصوات ضحايا الكارثة والمحرقة وتحسبها للوهلة الاولى اصوات حية وما ان تصبح داخل القاعات الكبيرة التي هي في الاصل ثكنات الجنود الالمان ومكاتبهم حتى تشاهد العرض التلفزيوني على الحائط في الاتجاهات الاربع لتشعر انك حقيقة في نفس المكان ومع نفس الناس وبالطبع فان القاعات كثيرة والطبقات عديدة وانت تخرج من مكان غير الذي دخلت منه لتذهب الى قاعة اخرى وعرض اخر وبصورة مغايرة ويمكنك ان تشاهد مدى الانفاق الذي تم للوصول الى هذا العمل وهذه النتيجة . وطبعا حتى تنتهي من هذه القاعات عليك ان تكون مدركا تماما لما جرى وما يدور الحديث عنه منذ الوصول بالقطارات حتى الوصول الى افران الحرق مرورا بمرحلة اخذ الملابس والاحذية وحلق الشعر ومصادرة الاغراض الشخصية , ثم التحول الى العمل للرجال والى غرف الغاز والقتل للنساء والاطفال والمرضى والعجزة , وبعدها الى افران الحرق .وهنا تدخلت دكتورة يهودية محاولة الحديث عن معاناة اهلها في المحرقة ورواية نقلها لها بعض الناجين الا انها لم تكمل نظرا للمقاطعة والامتعاض التي جابهته نتيجة تدخلها الغير مرحب به .
تم الحفاظ في هذه المتاحف على اثار الضحايا التي يمكن الحفاظ عليها والتي لم تصل اليها النيران واخفاء المعالم مثل الشعر حيث انه يمكن مشاهدة اطنان من الشعر البشري الخاص بالنساء والاحذية والالبسة المخططة بالابيض والاسود الخاصة بالسجناء وادوات الحلاقة والتنظيف وهناك ايضا صناديق زجاجية مقفلة تحتوي على اوراق وملفات عسكرية تحمل اسماء وارقام الضحايا الذين اما ادخلوا الى المختبرات لاجراء التجارب عليهم واما تم توجيههم للتشغيل او الذين تم التخلص منهم .
وهناك في احدى قاعات المتحف قسم يحتوي على اسماء الضحايا وذلك من خلال صور على الجدران لعائلات تمت ابادتها او رسومات اطفال في بعض الاحيان صورو خلالها ما كانوا يشاهدونه ,او كما اسلفت جداول وبيانات بالاسماء والارقام او ان هناك ما يتوسط احدى القاعات وهو حامل حديدي ثابت تم تحميله باطنان من الاوراق الكبيرة التي تحمل اسماء الضحايا وهنا ولكثرتها احسست انا بالمبالغة الشديدة في الاعداد .لانه مقارنة بالحجم فان الاسماء هي ليهود العالم منذ نزول التوراه على سيدنا موسى عليه السلام حتى يوم القيامة ويمكن ان تكون مكررة .
ثم يظهر من خلف الالواح الزجاجية علب الغاز السام الذي كان يستخدم لاراحة السجناء في المرحلة الاخيرة ما قبل الموت واثناء الاستحمام اي انه كان تتم التعرية ثم الدخول الى الحمام ومع نزول المياه كان ينتشر الدخان الصادر من الغاز السام وما ان ينتهي الحمام ويتم الانتقال الى الغرفة التالية لارتداء الملابس حتى تكون الروح قد فارقت الجسد وياتي هنا دور العمال القائمين على الحرق وهم من المعتقلين ايضا ويقوموا باخلاء الجثث الى الفرن لتصبح خلال فترة وجيزة رمادا وكانها لم تكن .
كما ويظهر في العديد من ارجاء المتحف صور ومجسمات للابنية واماكن المبيت والتجميع واكوام الجثث وثم مجسمات لعربات القطارات التي كانت تجلب السجناء من انحاء اوروبا الى هذا المعتقل , والعربة والصورة تمثل مستوى الانحطاط بكرامة الانسان فهي لا تصلح الا لنقل البهائم وذلك يمكن الاستدلال عليه من خلال مشاهدة العربة الاصلية التي لا تزال متوقفة على السكة الحديدية وهي ترتفع بارضيتها عن الارض بحوالي متر والنصف تقريبا ولها باب من جهه واحدة فقط يتم اقفاله بقفل حديدي من الخارج وهي خشبية التصفيح حديدية المجسم وارضية اي انها في اجواء اوروبا الباردة تعتبر اداة قتل ونقل امراض متحركة وذلك لما تتميز به اوروبا من برد قارس في الشتاء ونظرا . ودون المساعدة لم اتمكن انا من الوصول الى الدرجة الاولى للعربة .
وما ان تصل هذه العربات الى اوشفيتس وتبدا عملية انزال القادمين منها حتى تبدا مرحلة جديدة في حياة المعتقلين في ارض خاوية الا من الجنود الالمان الذين هم بانتظارهم والمساحة الشاسعة من الارض باسلاكها الشائكة واشجارها السوداء العارية من الخضرة . تستمر في السير حتى تصل الى المكان الذي يدخل الى ناظره الاسى والاحباط اما من شكل البناء او ربما لطبيعة المكان , انه البرج الرئيسي للسكة الحديدية , وهو عبارة عن مبنى ممتد طوليا يتوسطه برج مراقبة زجاجي الواجهات الاربع وما ان تصعد الى داخله حتى تستشعر قدم البناء واهمية تواجده في ذلك المكان , فهو مطل على جميع انحاء المعسكر بما فيه السكة الحديدية المتشعبة وعملية وصول القطارات وافراغ حمولتها من المعتقلين , وننزل من البرج متجهين الى البركسات الحجرية التي يظهر انها كانت اسطبلات خيول لما فيها من مرابط وامكنة وقوف الخيل الا انها ليست كذلك فهي محولة لتكون حمامات المعتقلين المجهزة بشكل هندسي للتسع لمائة مستخدم في ان واحد وبحسب الرواية فقد كان يتم التجمع لاستخدام الحمام في الصباح والمساء ويتم ادخال مائة الى كل حمام في كل مرة فالمكان متسع لذلك العدد وهناك فتحات دائرية بقطر خمسة انشات تقريبا في قطعة اسمنتية طولها قرابة العشرون مترا متموضعه في منتصف البركس يجلس عليها المعتقلين لقضاء الحاجة ثمينهض المستخدمين بعده الى الجوانب القريبة حيث امكنة الاستحمام وهي جماعية ولنفس العدد من المستخدمين .
وفي بركس اخر هناك مكان الحلاقة وغسول الوجه ولا يختلف عن سابقه كثيرا سوى انه احواض معده من السيراميك حتى تملأ بالماء ويشبه المغسلة لكن بطول البركس اي حوالي عشرون مترا وعلى خطين متقابلين اي انه يمكن استخدامه من قبل مائة شخص في ان واحد . ونخرج من هناك لنرى المهاجع الخاصة بالنساء والاطفال وهي عبارة عن بركسات حجرية ملئى برائحة الخوف والعفن والمرض وهي متهالكة وعليك ان تكون شديد الحذر ان لامست فيها شيئا و وقد قسم هذا البركس الى صفين متقابلين من الطبقات في كل صف قرابة العشرة اقسام في كل قسم ثلاثة طبقات وكل طبقة بمساحة متر ارتفاع ومترين عرض وعمقها مترين بما يشبه الصندوق وبحسب الصور فقد كانت كل طبقة او صندوق تتسع لعشرة من النساء والاطفال تقريبا . ويفصل الصفين المتقابلين ممر بعرض متر على طول البركس والحال اشبه بذلك في اماكن الرجال الا انه اربع طبقات في كل صف وما لا يخفى معالمه هو ان لكل البركسات يوجد تدفئة حجرية ومداخن بقيت شاهدة على الانقاض.
التواجد في المكان يمنحك الشعور بما شعر به من كان متواجدا هناك ابان الحرب العالمية الثانية فبحسب الصور الموجودة في كل مكان لم يختلف فيها الشيء الكثير . انت لا تستطيع احتمال البرد القارس الذي لايمكن الاختباء منه الا به وممكن ان تصل الى مرحلة الاعياء الشديد من شدة البرد والارض التي كان فيها تفريغ العربات غير مستوية ولا يمكن السير بشكل سوي عليها . ولكن عليك ان تسير حتى تصل الى النهاية فانت الان في الطريق لمشاهدة الافران . وتستمر في هذا الجو المؤلم برده والارض المؤلم اتساعها ووعورتها حتى تصل الى اسوأ الاماكن وهي منطقة افران الحرق .
هناك نصب تذكاري عبارة عن مدرج يمكن ان تجلس عليه لتختبئ من الجبهات الهوائية الباردة ولكن لا تستطيع الا ان تختبئ داخل نفسك فكل يبحث في نفسه عن مكان يخبئ خارجه بداخله ليحصل على بعض الدفئ ولكنك لن تحصل عليه الا بخروجك من هذا المعسكر ولا يمكن تبرير السبب في ذلك . تجلس على هذا النصب او االمدرج بعد عناء السير الطويل داخل المعسكر وبين ابنيته التي دمر اغلبه ولم يبق شاهدا عليها الا القليل ولكن تم الحفاظ على ما تبقى بصورة فنية تمكنها من البقاء ما دام هناك غاية من ذلك . وهنا نستمع الى الدليل البولندي الذي يروي قصة اخر المشوار في اخر المشوار . انها المحرقة …. نحن الان نشاهد اثار غرف الغاز والحمام والفرن . لم يتغير الكثير سوى ان الضحايا غير موجودين ولا يوجد معنا من دخل الى هناك قبلا او احد ابناء اضحايا او الناجين ليروي لنا الحكاية فقد قمنا في اليوم السابق بالاحتجاج على ذلك ولم يبق لنا الاالعجوز البولندية التي هي دليلنا في المكان والتي اصبحت في كل دقيقه تمر تتضايق من تواجدنا اكثر لانني استشعرت بانها ادركت فشلها في ايصال الرسالة والفكرة وبعد ان افهمتها ان ما تقوم بقرائته في المكان ندركه حق الادراك لانه ما نعيشه في حياتنا اليومية من الناس الذين تواجدوا اصلا في هذا المعتقل وهم الان يقومون بنقل الكرة وتطبيقها علينا بالقوة نفسها ولكن اشد قسوة .
العجوز البولندية وهي ترتجف بردا ومنهكة القوى تحدثنا عن المكان اذي نقف فيه وتقول :: هنا كان يتم التخلص من المعتقلين مشيرة بذلك الى الانقاض المحاطة بالشريط الذي يعني ممنوع الاقتراب اما لان المكان متهالك او احتراما للارواح كما ذكرت .. غرفة الغاز عبارة عن مساحة شاسعة مبنية في الارض سقفها مهدوم ويمكن مشاهدته وهي نفس المكان الذي كان فيه يتم التخلص من لباس السجن من اجل الاستحمام وامكان عبارة عن ما يقارب ثلاثين الى اربعين مترا طولا وعرض خمسة الى سبعة امتار ينتهي بالحمام ودرج بعد الحمام يؤدي الى الافران . اي انه ما ان ينتهي المستخدم حمامه كما اسلفت حتى يكون قد سلم روحه الى خالقها دون ان يشعر بذلك نتيجة الغاز الذي شاهدنا حبيباته وعبواته مسبقا . وهنا ياتي دور العاملين الذين يقومون بنقل الجثث اما من الحمام او من الخارج اي الذين يموتون اثناء العمل او نتيجة القتل او المرض او الاحوال الجوية القاتله ويتم ادخال الجثث الى الفرن لتصبح رماد ا تذروه الرياح فيما بعد . والاشد فظاعة في المكان وفي الامر برمته هي الصور التي تثبت جلوس النساء والاطفال بين الاشجار في المكان الذي توقفنا وجلسنا فيه بانتظار الدخول الى الحمام وغرفة الغاز وهي اشد الصور حساسية وتاثيرا . فانت في المكان عينه وتشاهد الشجر والحجر واناس لم يعودو احياء . انا عن نفسي لم يستعطفني شيء في حياتي اكثر من لحظات الوداع ولم يؤثر في اطلاقا شيء اكثر من ان تودع شخصا انت تعرف او تشعر بانه لن يعود ولن تراه مجددا . واحسست ذلك في اخر المشوار والصورة التي شاهدتها للنساء والاطفال المنتظرين الدخول الى الموت . سمعت الكثير عن المحرقة وعن يوم المحرقة اما من خلال مادة فلسفة الاخلاق او التفكير الاخلاقي او في الاصل اثناء عملي في الجزء المحتل من ارضنا ممن يحتله اي من اليهود الذين وبحسب ما توصلت اليه فهم انفسهم لا يعرفون الكثير عن المحرقة وعن معسكرات الاعتقال وانا افتخر بانني اعرف عن تاريخ عدوي اكثر منه .
اصبحت اعلم ان اليهود هم ديانة وليسوا شعبا لادحض القول المتناقل عبر الاجيال بانهم شعب الله المختار ولانفي مقولة زانغول “ارض بلا شعب لشعب بلا ارض “. ان اوشفيتس ومعسكرات الاعتقال الاخرى كانت لتجميع اليهود من انحاء اوروبا من اجل تطبيق الحل النهائي لابادتهم وليس لترحيلهم الى فلسطين او لايجاد وطن فومي لهم. ان دولة الاحتلال قائمة على الخوف من تكرار الكارثة وما يدعونه الامن هو الخوف ومن ينشا على الخوف ويجند كل امكانياته للبقاء في هذا الوضع ويقنع نفسه بانه يسعى لتوفير الامن لا بد لان ينهار في النهايه فشدة الصلابه تؤدي الى الكسر .
ان من حاول التقليل من اهمية زيارتنا هم المتطرفين من الطرفين وهم من حاول التعتيم على هذه الزيارة حتى لا يفتحوا على انفسهم حربا داخلية وقودها طلاب ومثقفين حفظوا ولم يفهموا حقيقتهم , ولكن قامت الصحافة الاجنبية بالواجب وعلى منظمات العدالة الانسانية الان تجهيز نفسها لتحريك الرحلات المدرسية الى هناك.
ان هناك اتفاقيات دولية باطراف معنية ربما لم تظهر حتى اللحظة اقتضت بالتخلص من يهود اوروبا وشمال افريقيا الذين كانو عبارة عن مجموعات ولما زعم انه احدثوه من تخريب وتدمير في البلدان التي عاشو فيها وتجميعهم وتدعيمهم بالعتاد والسلاح لتسكينهم في فلسطين على هيئة شعب وزرعت الصهيونية افكار في رؤوسهم على انهم شعب له تاريخ في هذه الارض وانهم قد تعرضو للطرد من هذه الارض قبل اكثر من الفي عام وانه قد ان الاوان لعودتهم واستقرارهم .وفي الناحية الاخرى طرد السكان الاصليين من قراهم ومساكنهم ومدنهم واراضيهم والادعاء بانها فترة حرب وانهم في خطر وعليهم مغادرة مساكنهم لفترة وجيزة حتى تنتهي الحرب ويتم اعادتهم الى ديارهم وتدعيمهم بكرت التموين الصادر عن وكالة الغوث الدولية وتجريدهم من السلاح . ليصبحوا بعد ذلك لاجئين في اراضيهم بلا حول ولا قوة ولا مصدر رزق واعادة تنفيذ المشهد السابق الذي كان في بولندا ولكن هذه المرة ليس لليهود بل للفلسطينيين وبقوة بريطانية وليست المانية ومن ثم انتهاء الحرب وتسليم مفاتيح القوة من بريطانيا الى اليهود ليصبح السجين سجانا وليمتلك القوة والسلاح والدعم الدولي ويصبح صاحب الارض لاجئا في خيمة من القماش في ظروف اشد قهرا واكثر اهانة فلا بركسات حجرية ولا تدفئة ولا حمامات ولا اماكن للاكل ولا اماكن لقضاء الحاجة .فقط الخيمة ثم حتى يصبح اللجوء مشروعا تم تطوير الخيمة لتصبح غرفة بحجم الخيمة وانهالت التبرعات من العالم المخادع بالسكروالطحين والزيت وعلب السردين وفي بعض الاحيان كان هناك البقجة وهي عبارة عن مجموعة من الملابس والاحذية المستعملة تعطى حسب حجم العائلة واصبح كذلك العلاج بالمجان والخدمات بالمجان واصبح التناسب الطردي فكلما كبرت دولة الاحتلال كبرت مقابلها وكالة الغوث الدولية ولكن التناسب العكسي يكمن في ان الاحتلال يشتد عوده ويضخم من عدوانه واستيطانه وترسانته العسكرية مقابل قيام وكالة الغوث بتقليص خدماتها وانعدامها في بعض الاحيان ليتضح ان ما تم حتى الان هو انتظار العالم حتى تمكين الاحتلال من بناء دولته وشعبه بكامل المقاييس والباسه ثوب الشرعية الدولية على حساب من عاغشو وماتوا بحسرة وامل في العودة الى بيوتهم وارضهم التي طردوا وهجرو منها .
من وجهة نظري اننا اخطأنا كطلاب واخطأ قبلنا البروفيسور محمد الدجاني عندما رفضنا ان يشترك الطلاب اليهود في الرحلة , فمقابل كل شخص منا كان يجب ان يكون عشرة من اليهود وذلك لانه باعتقادي ان من يجب ان يدرس ويبحث المحرقة في المستوى الاول هم اليهود وهم الذين يجب ان يعرفوا اين موطن تجمعاتهم الاصلي ومن اين تم جلبهم وترحيلهم الى فلسطين . وذلك حتى يعلموا ويستشعروا ان ما يقوم به ساستهم هو تنفيذ لاجندة معتوهة سمعت بالمحرقة ومعسكرات النازية ولم تعايشها وربما انها لم تزرها واكتفت بما انشأوه من نصب تذكاري لذلك فالفرق حقا شاسع .وعكست هذا الخوف على كل اليهود سواء عن طريق التعليم في المدارس او عن طريق اماكن العبادة .
وعود على ذي بدء فبعد انتهاء الزيارة الى اوشفيتس كان هناك الوقت المخصص لاعادة تعبئة الاستبيان مرة اخرى حتى يتم المقارنة ما بين الاستبيانين ومن وجهة نظري فانه لم يكن هناك اي اختلاف في تعبئة الاستبيان في المرتين سوى انني قمت باضافة العديد من النقاط التي تمنيت ان تكون موجودة فعلا في الاستبيان ومنها ذكر نضالنا في سبيل الحرية وحقنا في العودة الى ارضنا وحقنا في اقامة دولتنا والكف عن المراوغة في اعطائنا حقوقنا واعتراف العالم بنكبتنا …..الخ .
لم تؤثر في الزيارة كثيرا فكما اسلفت انني ضعيف العاطفة ولم ترقى المشاهد الى الحد الذي تستدر عاطفتي ليس ان الضحية هو جلادي وليس عدم ادراك بحجم الكارثة . فالمكان والزمان والشجر والحجر والتصوير والتسجيل والابنية وسرد الحكاية كلها على مستوى من الحبكة والقدرة الخارقة على الوصول ولمس المشاعر الا انني كنت كمن عاشها وعايشها فالمشهد ليس بغريب وانا اعيشه لحظة بلحظة فانا ابن المخيم وبلغتهم ابن المعسكر والسجن مني قريب والسجين اخي وعمي وابني وابن اخي واختي وانا لا ابعد عنه سوى بقدر كمية الاخلاق المتوفرة لدى اجندي على الحاجز وانا بطبيعة الحال عائد عبر معبر الكرامة وبامكانهم قتلي كما قتل القاضي زعيتر او اعتقالي . ثم ان الغرف العفنه الباليه اشبه بغرف منزلي في المخيم وفرشات السجناء اشبه بالفراش الذي انا عليه انا وابنائي . والغاز عندنا ليس في غرف مخصصه فقنبلة الغاز دون استشاره تدخل من شباك بيتي او يلقي بها الجندي امام الباب لاذرف وابنائي الدم بدل الدمع بشكل شبه يومي , والسلك الشائك موجود وابراج الراقبة موجودة سواء على المخيم او على السجن . والحرق الذي شاهدت صوره فانني رايته بام عيني سواء بالصورة الحية من خلال التلفاز او بالوصول الى موقع الحدث للرجال والاطفال او والنساء في كل انحاء فلسطين ولم يكتفوا بذلك بل هناك جثث تركت لتتحلل وتتعفن ناهيك عمن يتم اطلاق النار عليه وتركه ينزف ومنع وصول الاسعاف اليه حتى يموت .
انا بدوري اشيد بالحكومة البولندية التي اقتطعت هذه المساحات الشاسعه من اراضيها للابقاء على الاثار المتعلقة بمعسكرات الاعتقال وتوظيف الادلاء لشرح الظروف والتاريخ الذي كان بالمعسكرات . واشيد بالحكومة الالمانية التي تنفق على ترميم هذه المعسكرات وابقائها كدليل على اكبر كارثة انسانية . وانه لمن الواجب على العالم اجمع ان يوصل الرسالة الى اليهود ويعلمهم ان من اذاهم وقتلهم واسكنهم معسكرات الاعتقال وانشا غرف الغاز والافران هم مجموعة نازية انتهت قبتها وانتهوا بالمحاكمة والاعدام ومن لم يعدم اقدم على الانتحار . وانهم ليسوا في صراع على البقاء وان البشر الذين يرونهم ليسوا اعداء لهم وانهم هم الذين يصنعوا الاعداء وهم الذين يصنعون الخوف ويتمعنون به وان قصة الغول الكبير ذو الشعر الطويل والمخالب الطويلة والاسنان الكبيرة والرائحة الكريهة انتهت منذ ان بدا التفكير بالتطور التكنولوجي .
من واجب العالم الذي انشا متحف الهولوكوست ان ينشئ متحف النكبة . فان كان من تسبب بالهولوكوست هو سياسي وثلته الحاكمة فالمتسبب بالنكبة حكومات ومجتمعات وان من لديه القدرة على الاحساس والتعاطف مع الاخرين من البشر فان من حقه العيش في امان دون خوف من مصير مجهول . ان من يستطيع ان يصل الى درجة البحث العلمي والاستكشاف له الحق في الوصول الى منزله والنوم دون خوف من قنابل الغاز ورصاص الجنود الطائش او خطر المداهمة الليلي والاعتقال .
ان تستكشف وتبحث وتكتب حتى يقرأ الاخرون ويتعلموا خيرلك من تقرا عنوان الكتاب وتدعي بانك قرات الكتاب . خير لك من ان تزور الحقائق بتناقل اقوال ليس لها من الصحة من اساس . ان تشاهد فيلما ذكر به اسم وتفصله فستانا لقضية اخرى . فقد قال رسولنا الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه ” اطلبوا العلم ولو في الصين ” وقال ” اطلبوا العلم من المهد الى اللحد ” وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ” قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ” .
واخيرا فانني اشكر الحكومة الالمانية واقدم جامعاتها ” فريدريك شيلر” في جينا والقائمين عليها على العمل الاستثنائي الفريد الذي قاموا به من تكفل بزيارتنا ذهابا وايابا واقامة من فلسطين الى المانيا فبولندا وبالعكس وما لاقيناه من ترحاب واستقبال فاق توقعاتنا بقلوبهم وامكانياتهم حتى احسسنا اننا انسان ذو قيمة سواء في نقاط العبور او المطارات او على الارض .
والشكر موصول للاب الذي لم يتوانى عن العطاء للحظة ولم يبعدنا عن ناظريه منذ انطلاقنا من ارض الوطن حتى عودتنا وكان مثالا للاب المناضل الملتزم صاحب المبدا الثابت والملتزم بالثوابت الوطنية والدينية استاذنا البروفيسور محمد الدجاني الداوودي والى ارشيف المعلومات الذي رافقنا خطوة بخطوة ولم يبخل علينا بمعلومة البروفيسور منذر الدجاني والاخت الرقيقة العزيزة الغالية التي رغم ان بعضنا اكبر منها سنا الا انها قامت مقام الام الدكتورة زينة بركات والى كل من كان معنا في هذه الرحلة من طلاب وطالبات . فانا لم اتوقع ان ارى ابناء شعبي الذين تجمعوا من كل مدن فلسطين ان يكونوا على هذا المستوى من السمو والرقي في الاخلاق والمعرفة وحسن المعاملة سواء كان مع بعضنا او مع الناس في داخل المجموعة وخارجها .
يعقوب بدوي
مع بداية الفصل الاول من العام الجامعي 2013-2014 في قسم الدراسات الامريكية في جامعة القدس تم طرح نقاش عن الرحلة المنوي عقدها الى بولندا بتمويل من الحكومة الالمانية وذلك من اجل زيارة معسكرات الاعتقال النازية الالمانية في مدينة اوشفيتس البولندية ابان الاحتلال الالماني لبولندا في الحرب العالمية الثانية . ان موضوع الرحلة هو بحثي بحت ويهدف لمعرفة الحقيقة والاطلاع على معاناة الاخر وكانت المادة العلمية التي دابنا الى دراستها في هذا الفصل الجامعي هي مادة الدين في التراث الامريكي وهي المادة العلمية التي تفتح افاق معرفية شتى منها الاطلاع على ثقافات الشعوب المختلفة كون ان المجتمع الامريكي مجتمع مختلط الثقافات .ومنها ما هو تمعنا في ظروف النشاة والتكوين واستمرارية حياة تلك الثقافات مرورا بطقوسها الدينية وعاداتها وتقاليدها ,ومن هذه الشعوب من عانى وتحمل الالم من اجل الحفاظ على استمرارية وجود جنسه البشري مثل الهنود الحمر ومنهم من تمت ابادته وعمل جاهدا من اجل الحفاظ على دينه وعرقه وتاريخه مثل الارمن ومسلمي بورما ومنهم من سعى العالم لابادته والتخلص منه مثل اليهود ولم نضيع فرصة كذلك في الحديث عن الجرح الدامي الذي يشتمل على كل انواع المعاناة ومحاولات الابادة سواء كانت للجنس البشري او للدين او للارض وهي النكبة الفلسطينية التي بدات منذ 1948 وحتى اليوم .وبما ان الوقت المعطى لهذه المادة لم يكن كافيا فلم يكن هناك ما يمنعنا من تمديد فترة المعرفة والتعلم حتى بدانا فيها الفصل الدراسي الثاني لنكملها في دراسة مادة حلقة دراسية في الدراسات الامريكية , فيوم للمعرفة ويوم للبحث واخر للنقاش وابداء الراي واخر لعرض الابحاث والعروض التقديمية تم الاقتراب من استكمال المادة العلمية المقررة حول الاخلاق وثقافات الشعوب ولم يكن ينقصنا سوى التطبيق العملي لاثراء منظومة البحث العلمي لدينا والتي لا يمكن لنا ان ندركها دون الوقوف على الاثر الملموس لمعاناة بشرية متخصصة يمكن من خلالها ربط الماضي بالحاضر والاطلاع على القيم الانسانية وان كانت ثابته او متحولة . ومعرفة هل يستشعر الكائن البشري حقيقة كوارث ومصائب الاخرين ليسخرها بما هو خير لبناء اسس جديدة لقيم جديدة قائمة على فهم الاخر والاحساس بمعاناته .
نشات الفكرة وتم التجهيز لها من خلال مجموعة بشرية عاقلة مدركة اطلقت على نفسها اسم قلوب من لحم وليست حجر وهي مستعدة للبحث والاستنتاج وتقديم النتيجة وتسخيرها لخدمة المجتمعات الانسانية وتم تحديد موعد الرحلة الى بولندا في 24-مارس-2014 لتنطلق من قلب فلسطين الى بولندا مرورا بالمانيا والاردن كمعابر حدودية وتستمر حتى 31-3-2014 . في الرابع والعشرين من مارس 2014 انطلقت بنا رغباتنا في الاستكشاف والمعرفة من فلسطين باتجاه الاردن حيث مطار الملكة عالية الدولي ونصعد الطائرة منطلقين في رحلتنا عند انتصاف الليل متجهين الى مطار فرانكفورت الدولي ثاني اكبر مطارات العالم في المانيا البلد المضيف من خلال جامعة فريدريك شيلر في جينا والوصول الى فرانكفورت صباح يوم 25 مارس 2014 وبعدها نقلع بطائرة اخرى الى مطار كاراكاو في بولندا في رحلة استمرت قرابة ساعتين حيث كان بانتظارنا البروفيسور مارتن اومالي من جامعة فريدريك شيلر الالمانية واخرون وتم استقبالنا بحفاوة حتى نزولنا الفندق في مدينة كاراكاو الذي تم حجزه مسبقا لخدمتنا وفيه تم الترحيب بنا واطلاعنا على برنامج الزيارة وفي ساعات المساء قمنا بتعبئة استبيان يعكس انطباعاتنا عن موضوع الزيارة قبل البدء بالبرنامج .وانتشرنا لاستكشاف العاصمة القديمة لبولندا كل حسب رغبته وعلى طريقته . 26-3-2014 كانت اولى الجولات السياحية في مدينة كاراكاو لمجموعة الطلبه الفلسطينيين برفقة دليل سياحي بولندي انثى قامت خلال الجولة السياحية بتمكيننا من زيارة اقدم الاماكن في بولندا منها الساحة الكبرى واقدم الكنائس في المدينة وتم التقاط العديد من الصور لهذه الاماكن واستمرت الجولة السياحية حتى ساعات العصر حتى حان موعد الغداء في احد المطاعم التي تطل على المدينة من الاعلى .
27- 3 – 2104 غادرنا مدينة كاراكاو باتجاه مدينة اوشفيتس حيث نزلنا هناك في نزل اشبه ما يكون بسكن جامعي داخلي تتوفر في سبل الراحة والدراسة ويقدم الوجبات الرئيسية الثلاث بمستوى مرموق وكانت الخدمة فيه على مستوى من الاناقة ولم يكن هناك اي احتجاج او شكوى على الطعام او النوم او سبل الراحة .
انطلقنا ها هنا في مسيرة الاستكشاف فنحن الان في اوشفيتس المكان الاكثر اهمية والاكثر قداسة لدى اعدائنا اقصد الاحتلال الاسرائيلي وحصل هنا ما لم يتوقعه احد ………… الطلبه الفلسطينيون في اوشفيتس .. سوف يذهبون الى بيركناو . سيشاهدون المتحف : متحف المحرقه : سيشاهدون بصورة حية وبدون كاميرات ولا كتب ولا وسائل اعلام ….. ارض الكارثة اليهودية … الطلاب في وجل وبعضهم غير مهتم لهذا الوجل . البعض الاخر يريد ان يثبت انه حضر الى هنا وبرغم انه غير مصدق لذلك ولكن يمكن للصورة ان تساعد على التوضيح وتساعد على الخروج من الحلم .. البعض حاول الاكتفاء بانه وصل اوشفيتس وانتهى . والبعض الاخر حاول الجلوس امام المدخل والبقية اكدوا لانفسهم انهم حضروا من نصف العالم الى النصف الاخر ليقوموا بشيء مميز ولكن قبل الدخول الى بوابة بيركناو الجميع كان متوقف هناك بعد ان هزم جميع افكاره ومخاوفه وعلم انه في مشروع دراسي بحت لا يغضب ربه ولا دينه وشجعنا على ذلك ان الوفود السياحية المتواجده والقادمة والمغادرة هي من شتى بقاع الارض فشاهدنا الروس والالمان والطليان والصينيين والكوريين والهنود والاسبان . وصلنا الى معسكر بيركناو في مدينة اوشفيتس والحديث هنا عن معسكر يمكن ان نشاهد اوله وليس بالاستطاعه معرفة حدوده جميعها ليس منعا امنيا ولكن من كبر مساحته . لا يوجد اجراءات امنية ولا نقاط تفتيش ولا يوجد من يمنع او من يسمح . ولا اشارات توجيهيه وارشاد , لا يوجد حراس امنيين . لا يوجد اصوات ولا مكبرات صوت ….لا يوجد اعلام ولا رايات نحن الان ندخل الى معسكر الابادة النازي بيركناو :::: البوابه المشهورة التي تظهر صورتها على مواقع الانترنت . ينبثق منها بالاتجاهين سلك شائك بارتفاع ثلاثة امتار تقريبا مثبت على اعمده اسمنتية معقوفة من الاعلى صنعت خصيصا بشكل هندسي لغايه حمل عشرة خطوط من الاسلاك او اكثر من كلا الاتجاهين وحاملات السلك التي تظهر من الاعمده الاسمنتية تدل على انها اسلاك موصوله بمصدر تيار كهربائي , والمسافة ما بين السلك والاخر تقدر بعشرون سنتمتر وهناك غرف حراسة محفورة في الارض بشكل قوس محصن خارج السياج كما وهناك ابراج مراقبة داخل السياج .واعدادها كبيرة جدا .وجميعها بتصميم هندسي موحد وفي اماكن موزعة هندسيا بحيث لا يمكن الوصول اليها او الحاق الضرر بها .ثم يلي ذلك على بعد مترين تقريبا سياج اخر بنفس المواصفات.
تشتم الان رائحة الكارثه بدات تسير الى انفك حتى تسري في عروقك . فالمكان تم تجهيزه لذلك خصيصا الارض الغير مستويه ومكاتب الجيش الالماني في البنايات المحيطة الحمراء المسودة التي تعطيك شعورا انها احترقت مع البشر وهي شبه خاليه الا من ذكرى لمن لديه ذكرى او لاهله او قصة رويت له ويريد ان يرويه لغيره .. ثم تنظر حولك لترى الاشجار الغير مخضرة الا بخضرة تنم عن انها شجرة .. وعلى الارض يمكنك ان تشاهد الغراب الاسود فقط باعداد لا باس بها .
الان نحن على المدخل الثاني عل بعد عشرات الامتار من المدخل الرئيسي وبانتظارنا عجوز بولندية هي عبارة عن الدليل السياحي داخل المعسكرات وهنا يمكنك ان تحمل سماعات الاذن مع جهاز استقبال حتى تتمكن من الاستماع اليها فهي تتحدث الانجليزية وتحفظ تاريخ المنطقة بشكل فوق الطبيعي وتتحدث اثناء سيرها اذ انه لا يمكن الوقوف والحديث حفاظا على الوقت ولوجود زائرين اخرين لا يمكن اعاقتهم ويتحدثون بلغات مختلفه اخرى . توجهنا الى المتحف او الى قاعات العرض فقبل كل قاعة عرض فهناك صورة مجسدة على شكل لوحة من الزجاج تشرح المكان وما حل فيه وهذه الصور ملتقطة في نفس المكان ولا يوجد اختلاف بينها وبين الواقع الا انها بالابيض والاسود والناس الذين فيها غير موجودين فهي تظهر الارض والحجر والشجر السلك الشائك .
اول المتحف وقبل ان تدخل ونظرا لانك تدخل الى مجهول وفي اذنيك السماعات وتستمع الى الدليل يدخل الى عروقك بعد اذنيك اصوات استغاثة وطلب مساعده وتوسل وصراخ الجنود وصوت القطار صادرة من اعداد كبيرة من النساء والاطفال ويختلط فيها صوت الدليل باللغة الانجليزية لتعلم انها تسجيلات لاصوات ضحايا الكارثة والمحرقة وتحسبها للوهلة الاولى اصوات حية وما ان تصبح داخل القاعات الكبيرة التي هي في الاصل ثكنات الجنود الالمان ومكاتبهم حتى تشاهد العرض التلفزيوني على الحائط في الاتجاهات الاربع لتشعر انك حقيقة في نفس المكان ومع نفس الناس وبالطبع فان القاعات كثيرة والطبقات عديدة وانت تخرج من مكان غير الذي دخلت منه لتذهب الى قاعة اخرى وعرض اخر وبصورة مغايرة ويمكنك ان تشاهد مدى الانفاق الذي تم للوصول الى هذا العمل وهذه النتيجة . وطبعا حتى تنتهي من هذه القاعات عليك ان تكون مدركا تماما لما جرى وما يدور الحديث عنه منذ الوصول بالقطارات حتى الوصول الى افران الحرق مرورا بمرحلة اخذ الملابس والاحذية وحلق الشعر ومصادرة الاغراض الشخصية , ثم التحول الى العمل للرجال والى غرف الغاز والقتل للنساء والاطفال والمرضى والعجزة , وبعدها الى افران الحرق .وهنا تدخلت دكتورة يهودية محاولة الحديث عن معاناة اهلها في المحرقة ورواية نقلها لها بعض الناجين الا انها لم تكمل نظرا للمقاطعة والامتعاض التي جابهته نتيجة تدخلها الغير مرحب به .
تم الحفاظ في هذه المتاحف على اثار الضحايا التي يمكن الحفاظ عليها والتي لم تصل اليها النيران واخفاء المعالم مثل الشعر حيث انه يمكن مشاهدة اطنان من الشعر البشري الخاص بالنساء والاحذية والالبسة المخططة بالابيض والاسود الخاصة بالسجناء وادوات الحلاقة والتنظيف وهناك ايضا صناديق زجاجية مقفلة تحتوي على اوراق وملفات عسكرية تحمل اسماء وارقام الضحايا الذين اما ادخلوا الى المختبرات لاجراء التجارب عليهم واما تم توجيههم للتشغيل او الذين تم التخلص منهم .
وهناك في احدى قاعات المتحف قسم يحتوي على اسماء الضحايا وذلك من خلال صور على الجدران لعائلات تمت ابادتها او رسومات اطفال في بعض الاحيان صورو خلالها ما كانوا يشاهدونه ,او كما اسلفت جداول وبيانات بالاسماء والارقام او ان هناك ما يتوسط احدى القاعات وهو حامل حديدي ثابت تم تحميله باطنان من الاوراق الكبيرة التي تحمل اسماء الضحايا وهنا ولكثرتها احسست انا بالمبالغة الشديدة في الاعداد .لانه مقارنة بالحجم فان الاسماء هي ليهود العالم منذ نزول التوراه على سيدنا موسى عليه السلام حتى يوم القيامة ويمكن ان تكون مكررة .
ثم يظهر من خلف الالواح الزجاجية علب الغاز السام الذي كان يستخدم لاراحة السجناء في المرحلة الاخيرة ما قبل الموت واثناء الاستحمام اي انه كان تتم التعرية ثم الدخول الى الحمام ومع نزول المياه كان ينتشر الدخان الصادر من الغاز السام وما ان ينتهي الحمام ويتم الانتقال الى الغرفة التالية لارتداء الملابس حتى تكون الروح قد فارقت الجسد وياتي هنا دور العمال القائمين على الحرق وهم من المعتقلين ايضا ويقوموا باخلاء الجثث الى الفرن لتصبح خلال فترة وجيزة رمادا وكانها لم تكن .
كما ويظهر في العديد من ارجاء المتحف صور ومجسمات للابنية واماكن المبيت والتجميع واكوام الجثث وثم مجسمات لعربات القطارات التي كانت تجلب السجناء من انحاء اوروبا الى هذا المعتقل , والعربة والصورة تمثل مستوى الانحطاط بكرامة الانسان فهي لا تصلح الا لنقل البهائم وذلك يمكن الاستدلال عليه من خلال مشاهدة العربة الاصلية التي لا تزال متوقفة على السكة الحديدية وهي ترتفع بارضيتها عن الارض بحوالي متر والنصف تقريبا ولها باب من جهه واحدة فقط يتم اقفاله بقفل حديدي من الخارج وهي خشبية التصفيح حديدية المجسم وارضية اي انها في اجواء اوروبا الباردة تعتبر اداة قتل ونقل امراض متحركة وذلك لما تتميز به اوروبا من برد قارس في الشتاء ونظرا . ودون المساعدة لم اتمكن انا من الوصول الى الدرجة الاولى للعربة .
وما ان تصل هذه العربات الى اوشفيتس وتبدا عملية انزال القادمين منها حتى تبدا مرحلة جديدة في حياة المعتقلين في ارض خاوية الا من الجنود الالمان الذين هم بانتظارهم والمساحة الشاسعة من الارض باسلاكها الشائكة واشجارها السوداء العارية من الخضرة . تستمر في السير حتى تصل الى المكان الذي يدخل الى ناظره الاسى والاحباط اما من شكل البناء او ربما لطبيعة المكان , انه البرج الرئيسي للسكة الحديدية , وهو عبارة عن مبنى ممتد طوليا يتوسطه برج مراقبة زجاجي الواجهات الاربع وما ان تصعد الى داخله حتى تستشعر قدم البناء واهمية تواجده في ذلك المكان , فهو مطل على جميع انحاء المعسكر بما فيه السكة الحديدية المتشعبة وعملية وصول القطارات وافراغ حمولتها من المعتقلين , وننزل من البرج متجهين الى البركسات الحجرية التي يظهر انها كانت اسطبلات خيول لما فيها من مرابط وامكنة وقوف الخيل الا انها ليست كذلك فهي محولة لتكون حمامات المعتقلين المجهزة بشكل هندسي للتسع لمائة مستخدم في ان واحد وبحسب الرواية فقد كان يتم التجمع لاستخدام الحمام في الصباح والمساء ويتم ادخال مائة الى كل حمام في كل مرة فالمكان متسع لذلك العدد وهناك فتحات دائرية بقطر خمسة انشات تقريبا في قطعة اسمنتية طولها قرابة العشرون مترا متموضعه في منتصف البركس يجلس عليها المعتقلين لقضاء الحاجة ثمينهض المستخدمين بعده الى الجوانب القريبة حيث امكنة الاستحمام وهي جماعية ولنفس العدد من المستخدمين .
وفي بركس اخر هناك مكان الحلاقة وغسول الوجه ولا يختلف عن سابقه كثيرا سوى انه احواض معده من السيراميك حتى تملأ بالماء ويشبه المغسلة لكن بطول البركس اي حوالي عشرون مترا وعلى خطين متقابلين اي انه يمكن استخدامه من قبل مائة شخص في ان واحد . ونخرج من هناك لنرى المهاجع الخاصة بالنساء والاطفال وهي عبارة عن بركسات حجرية ملئى برائحة الخوف والعفن والمرض وهي متهالكة وعليك ان تكون شديد الحذر ان لامست فيها شيئا و وقد قسم هذا البركس الى صفين متقابلين من الطبقات في كل صف قرابة العشرة اقسام في كل قسم ثلاثة طبقات وكل طبقة بمساحة متر ارتفاع ومترين عرض وعمقها مترين بما يشبه الصندوق وبحسب الصور فقد كانت كل طبقة او صندوق تتسع لعشرة من النساء والاطفال تقريبا . ويفصل الصفين المتقابلين ممر بعرض متر على طول البركس والحال اشبه بذلك في اماكن الرجال الا انه اربع طبقات في كل صف وما لا يخفى معالمه هو ان لكل البركسات يوجد تدفئة حجرية ومداخن بقيت شاهدة على الانقاض.
التواجد في المكان يمنحك الشعور بما شعر به من كان متواجدا هناك ابان الحرب العالمية الثانية فبحسب الصور الموجودة في كل مكان لم يختلف فيها الشيء الكثير . انت لا تستطيع احتمال البرد القارس الذي لايمكن الاختباء منه الا به وممكن ان تصل الى مرحلة الاعياء الشديد من شدة البرد والارض التي كان فيها تفريغ العربات غير مستوية ولا يمكن السير بشكل سوي عليها . ولكن عليك ان تسير حتى تصل الى النهاية فانت الان في الطريق لمشاهدة الافران . وتستمر في هذا الجو المؤلم برده والارض المؤلم اتساعها ووعورتها حتى تصل الى اسوأ الاماكن وهي منطقة افران الحرق .
هناك نصب تذكاري عبارة عن مدرج يمكن ان تجلس عليه لتختبئ من الجبهات الهوائية الباردة ولكن لا تستطيع الا ان تختبئ داخل نفسك فكل يبحث في نفسه عن مكان يخبئ خارجه بداخله ليحصل على بعض الدفئ ولكنك لن تحصل عليه الا بخروجك من هذا المعسكر ولا يمكن تبرير السبب في ذلك . تجلس على هذا النصب او االمدرج بعد عناء السير الطويل داخل المعسكر وبين ابنيته التي دمر اغلبه ولم يبق شاهدا عليها الا القليل ولكن تم الحفاظ على ما تبقى بصورة فنية تمكنها من البقاء ما دام هناك غاية من ذلك . وهنا نستمع الى الدليل البولندي الذي يروي قصة اخر المشوار في اخر المشوار . انها المحرقة …. نحن الان نشاهد اثار غرف الغاز والحمام والفرن . لم يتغير الكثير سوى ان الضحايا غير موجودين ولا يوجد معنا من دخل الى هناك قبلا او احد ابناء اضحايا او الناجين ليروي لنا الحكاية فقد قمنا في اليوم السابق بالاحتجاج على ذلك ولم يبق لنا الاالعجوز البولندية التي هي دليلنا في المكان والتي اصبحت في كل دقيقه تمر تتضايق من تواجدنا اكثر لانني استشعرت بانها ادركت فشلها في ايصال الرسالة والفكرة وبعد ان افهمتها ان ما تقوم بقرائته في المكان ندركه حق الادراك لانه ما نعيشه في حياتنا اليومية من الناس الذين تواجدوا اصلا في هذا المعتقل وهم الان يقومون بنقل الكرة وتطبيقها علينا بالقوة نفسها ولكن اشد قسوة .
العجوز البولندية وهي ترتجف بردا ومنهكة القوى تحدثنا عن المكان اذي نقف فيه وتقول :: هنا كان يتم التخلص من المعتقلين مشيرة بذلك الى الانقاض المحاطة بالشريط الذي يعني ممنوع الاقتراب اما لان المكان متهالك او احتراما للارواح كما ذكرت .. غرفة الغاز عبارة عن مساحة شاسعة مبنية في الارض سقفها مهدوم ويمكن مشاهدته وهي نفس المكان الذي كان فيه يتم التخلص من لباس السجن من اجل الاستحمام وامكان عبارة عن ما يقارب ثلاثين الى اربعين مترا طولا وعرض خمسة الى سبعة امتار ينتهي بالحمام ودرج بعد الحمام يؤدي الى الافران . اي انه ما ان ينتهي المستخدم حمامه كما اسلفت حتى يكون قد سلم روحه الى خالقها دون ان يشعر بذلك نتيجة الغاز الذي شاهدنا حبيباته وعبواته مسبقا . وهنا ياتي دور العاملين الذين يقومون بنقل الجثث اما من الحمام او من الخارج اي الذين يموتون اثناء العمل او نتيجة القتل او المرض او الاحوال الجوية القاتله ويتم ادخال الجثث الى الفرن لتصبح رماد ا تذروه الرياح فيما بعد . والاشد فظاعة في المكان وفي الامر برمته هي الصور التي تثبت جلوس النساء والاطفال بين الاشجار في المكان الذي توقفنا وجلسنا فيه بانتظار الدخول الى الحمام وغرفة الغاز وهي اشد الصور حساسية وتاثيرا . فانت في المكان عينه وتشاهد الشجر والحجر واناس لم يعودو احياء . انا عن نفسي لم يستعطفني شيء في حياتي اكثر من لحظات الوداع ولم يؤثر في اطلاقا شيء اكثر من ان تودع شخصا انت تعرف او تشعر بانه لن يعود ولن تراه مجددا . واحسست ذلك في اخر المشوار والصورة التي شاهدتها للنساء والاطفال المنتظرين الدخول الى الموت . سمعت الكثير عن المحرقة وعن يوم المحرقة اما من خلال مادة فلسفة الاخلاق او التفكير الاخلاقي او في الاصل اثناء عملي في الجزء المحتل من ارضنا ممن يحتله اي من اليهود الذين وبحسب ما توصلت اليه فهم انفسهم لا يعرفون الكثير عن المحرقة وعن معسكرات الاعتقال وانا افتخر بانني اعرف عن تاريخ عدوي اكثر منه .
اصبحت اعلم ان اليهود هم ديانة وليسوا شعبا لادحض القول المتناقل عبر الاجيال بانهم شعب الله المختار ولانفي مقولة زانغول “ارض بلا شعب لشعب بلا ارض “. ان اوشفيتس ومعسكرات الاعتقال الاخرى كانت لتجميع اليهود من انحاء اوروبا من اجل تطبيق الحل النهائي لابادتهم وليس لترحيلهم الى فلسطين او لايجاد وطن فومي لهم. ان دولة الاحتلال قائمة على الخوف من تكرار الكارثة وما يدعونه الامن هو الخوف ومن ينشا على الخوف ويجند كل امكانياته للبقاء في هذا الوضع ويقنع نفسه بانه يسعى لتوفير الامن لا بد لان ينهار في النهايه فشدة الصلابه تؤدي الى الكسر .
ان من حاول التقليل من اهمية زيارتنا هم المتطرفين من الطرفين وهم من حاول التعتيم على هذه الزيارة حتى لا يفتحوا على انفسهم حربا داخلية وقودها طلاب ومثقفين حفظوا ولم يفهموا حقيقتهم , ولكن قامت الصحافة الاجنبية بالواجب وعلى منظمات العدالة الانسانية الان تجهيز نفسها لتحريك الرحلات المدرسية الى هناك.
ان هناك اتفاقيات دولية باطراف معنية ربما لم تظهر حتى اللحظة اقتضت بالتخلص من يهود اوروبا وشمال افريقيا الذين كانو عبارة عن مجموعات ولما زعم انه احدثوه من تخريب وتدمير في البلدان التي عاشو فيها وتجميعهم وتدعيمهم بالعتاد والسلاح لتسكينهم في فلسطين على هيئة شعب وزرعت الصهيونية افكار في رؤوسهم على انهم شعب له تاريخ في هذه الارض وانهم قد تعرضو للطرد من هذه الارض قبل اكثر من الفي عام وانه قد ان الاوان لعودتهم واستقرارهم .وفي الناحية الاخرى طرد السكان الاصليين من قراهم ومساكنهم ومدنهم واراضيهم والادعاء بانها فترة حرب وانهم في خطر وعليهم مغادرة مساكنهم لفترة وجيزة حتى تنتهي الحرب ويتم اعادتهم الى ديارهم وتدعيمهم بكرت التموين الصادر عن وكالة الغوث الدولية وتجريدهم من السلاح . ليصبحوا بعد ذلك لاجئين في اراضيهم بلا حول ولا قوة ولا مصدر رزق واعادة تنفيذ المشهد السابق الذي كان في بولندا ولكن هذه المرة ليس لليهود بل للفلسطينيين وبقوة بريطانية وليست المانية ومن ثم انتهاء الحرب وتسليم مفاتيح القوة من بريطانيا الى اليهود ليصبح السجين سجانا وليمتلك القوة والسلاح والدعم الدولي ويصبح صاحب الارض لاجئا في خيمة من القماش في ظروف اشد قهرا واكثر اهانة فلا بركسات حجرية ولا تدفئة ولا حمامات ولا اماكن للاكل ولا اماكن لقضاء الحاجة .فقط الخيمة ثم حتى يصبح اللجوء مشروعا تم تطوير الخيمة لتصبح غرفة بحجم الخيمة وانهالت التبرعات من العالم المخادع بالسكروالطحين والزيت وعلب السردين وفي بعض الاحيان كان هناك البقجة وهي عبارة عن مجموعة من الملابس والاحذية المستعملة تعطى حسب حجم العائلة واصبح كذلك العلاج بالمجان والخدمات بالمجان واصبح التناسب الطردي فكلما كبرت دولة الاحتلال كبرت مقابلها وكالة الغوث الدولية ولكن التناسب العكسي يكمن في ان الاحتلال يشتد عوده ويضخم من عدوانه واستيطانه وترسانته العسكرية مقابل قيام وكالة الغوث بتقليص خدماتها وانعدامها في بعض الاحيان ليتضح ان ما تم حتى الان هو انتظار العالم حتى تمكين الاحتلال من بناء دولته وشعبه بكامل المقاييس والباسه ثوب الشرعية الدولية على حساب من عاغشو وماتوا بحسرة وامل في العودة الى بيوتهم وارضهم التي طردوا وهجرو منها .
من وجهة نظري اننا اخطأنا كطلاب واخطأ قبلنا البروفيسور محمد الدجاني عندما رفضنا ان يشترك الطلاب اليهود في الرحلة , فمقابل كل شخص منا كان يجب ان يكون عشرة من اليهود وذلك لانه باعتقادي ان من يجب ان يدرس ويبحث المحرقة في المستوى الاول هم اليهود وهم الذين يجب ان يعرفوا اين موطن تجمعاتهم الاصلي ومن اين تم جلبهم وترحيلهم الى فلسطين . وذلك حتى يعلموا ويستشعروا ان ما يقوم به ساستهم هو تنفيذ لاجندة معتوهة سمعت بالمحرقة ومعسكرات النازية ولم تعايشها وربما انها لم تزرها واكتفت بما انشأوه من نصب تذكاري لذلك فالفرق حقا شاسع .وعكست هذا الخوف على كل اليهود سواء عن طريق التعليم في المدارس او عن طريق اماكن العبادة .
وعود على ذي بدء فبعد انتهاء الزيارة الى اوشفيتس كان هناك الوقت المخصص لاعادة تعبئة الاستبيان مرة اخرى حتى يتم المقارنة ما بين الاستبيانين ومن وجهة نظري فانه لم يكن هناك اي اختلاف في تعبئة الاستبيان في المرتين سوى انني قمت باضافة العديد من النقاط التي تمنيت ان تكون موجودة فعلا في الاستبيان ومنها ذكر نضالنا في سبيل الحرية وحقنا في العودة الى ارضنا وحقنا في اقامة دولتنا والكف عن المراوغة في اعطائنا حقوقنا واعتراف العالم بنكبتنا …..الخ .
لم تؤثر في الزيارة كثيرا فكما اسلفت انني ضعيف العاطفة ولم ترقى المشاهد الى الحد الذي تستدر عاطفتي ليس ان الضحية هو جلادي وليس عدم ادراك بحجم الكارثة . فالمكان والزمان والشجر والحجر والتصوير والتسجيل والابنية وسرد الحكاية كلها على مستوى من الحبكة والقدرة الخارقة على الوصول ولمس المشاعر الا انني كنت كمن عاشها وعايشها فالمشهد ليس بغريب وانا اعيشه لحظة بلحظة فانا ابن المخيم وبلغتهم ابن المعسكر والسجن مني قريب والسجين اخي وعمي وابني وابن اخي واختي وانا لا ابعد عنه سوى بقدر كمية الاخلاق المتوفرة لدى اجندي على الحاجز وانا بطبيعة الحال عائد عبر معبر الكرامة وبامكانهم قتلي كما قتل القاضي زعيتر او اعتقالي . ثم ان الغرف العفنه الباليه اشبه بغرف منزلي في المخيم وفرشات السجناء اشبه بالفراش الذي انا عليه انا وابنائي . والغاز عندنا ليس في غرف مخصصه فقنبلة الغاز دون استشاره تدخل من شباك بيتي او يلقي بها الجندي امام الباب لاذرف وابنائي الدم بدل الدمع بشكل شبه يومي , والسلك الشائك موجود وابراج الراقبة موجودة سواء على المخيم او على السجن . والحرق الذي شاهدت صوره فانني رايته بام عيني سواء بالصورة الحية من خلال التلفاز او بالوصول الى موقع الحدث للرجال والاطفال او والنساء في كل انحاء فلسطين ولم يكتفوا بذلك بل هناك جثث تركت لتتحلل وتتعفن ناهيك عمن يتم اطلاق النار عليه وتركه ينزف ومنع وصول الاسعاف اليه حتى يموت .
انا بدوري اشيد بالحكومة البولندية التي اقتطعت هذه المساحات الشاسعه من اراضيها للابقاء على الاثار المتعلقة بمعسكرات الاعتقال وتوظيف الادلاء لشرح الظروف والتاريخ الذي كان بالمعسكرات . واشيد بالحكومة الالمانية التي تنفق على ترميم هذه المعسكرات وابقائها كدليل على اكبر كارثة انسانية . وانه لمن الواجب على العالم اجمع ان يوصل الرسالة الى اليهود ويعلمهم ان من اذاهم وقتلهم واسكنهم معسكرات الاعتقال وانشا غرف الغاز والافران هم مجموعة نازية انتهت قبتها وانتهوا بالمحاكمة والاعدام ومن لم يعدم اقدم على الانتحار . وانهم ليسوا في صراع على البقاء وان البشر الذين يرونهم ليسوا اعداء لهم وانهم هم الذين يصنعوا الاعداء وهم الذين يصنعون الخوف ويتمعنون به وان قصة الغول الكبير ذو الشعر الطويل والمخالب الطويلة والاسنان الكبيرة والرائحة الكريهة انتهت منذ ان بدا التفكير بالتطور التكنولوجي .
من واجب العالم الذي انشا متحف الهولوكوست ان ينشئ متحف النكبة . فان كان من تسبب بالهولوكوست هو سياسي وثلته الحاكمة فالمتسبب بالنكبة حكومات ومجتمعات وان من لديه القدرة على الاحساس والتعاطف مع الاخرين من البشر فان من حقه العيش في امان دون خوف من مصير مجهول . ان من يستطيع ان يصل الى درجة البحث العلمي والاستكشاف له الحق في الوصول الى منزله والنوم دون خوف من قنابل الغاز ورصاص الجنود الطائش او خطر المداهمة الليلي والاعتقال .
ان تستكشف وتبحث وتكتب حتى يقرأ الاخرون ويتعلموا خيرلك من تقرا عنوان الكتاب وتدعي بانك قرات الكتاب . خير لك من ان تزور الحقائق بتناقل اقوال ليس لها من الصحة من اساس . ان تشاهد فيلما ذكر به اسم وتفصله فستانا لقضية اخرى . فقد قال رسولنا الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه ” اطلبوا العلم ولو في الصين ” وقال ” اطلبوا العلم من المهد الى اللحد ” وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ” قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ” .
واخيرا فانني اشكر الحكومة الالمانية واقدم جامعاتها ” فريدريك شيلر” في جينا والقائمين عليها على العمل الاستثنائي الفريد الذي قاموا به من تكفل بزيارتنا ذهابا وايابا واقامة من فلسطين الى المانيا فبولندا وبالعكس وما لاقيناه من ترحاب واستقبال فاق توقعاتنا بقلوبهم وامكانياتهم حتى احسسنا اننا انسان ذو قيمة سواء في نقاط العبور او المطارات او على الارض .
والشكر موصول للاب الذي لم يتوانى عن العطاء للحظة ولم يبعدنا عن ناظريه منذ انطلاقنا من ارض الوطن حتى عودتنا وكان مثالا للاب المناضل الملتزم صاحب المبدا الثابت والملتزم بالثوابت الوطنية والدينية استاذنا البروفيسور محمد الدجاني الداوودي والى ارشيف المعلومات الذي رافقنا خطوة بخطوة ولم يبخل علينا بمعلومة البروفيسور منذر الدجاني والاخت الرقيقة العزيزة الغالية التي رغم ان بعضنا اكبر منها سنا الا انها قامت مقام الام الدكتورة زينة بركات والى كل من كان معنا في هذه الرحلة من طلاب وطالبات . فانا لم اتوقع ان ارى ابناء شعبي الذين تجمعوا من كل مدن فلسطين ان يكونوا على هذا المستوى من السمو والرقي في الاخلاق والمعرفة وحسن المعاملة سواء كان مع بعضنا او مع الناس في داخل المجموعة وخارجها .