ما يجب أن نعلمه لأطفالنا عن الإسلام
من أصعب الدروس التي تعلمتها من خلال الزيارتين اللتين قمتُ بهما إلى معسكر أوشفيتز النازي للاعتقال والإبادة في بولندا، هو أن المحارق والمجازر والإبادات الجماعية لا تأتي من فراغ، بل تسبقها، وبشكل روتيني شبه دائم، حملة شرسة من التحريض ضد الفئة المستهدفة. وما يثير القلق اليوم، ومع ازدياد انتشار الاسلاموفوبيا والنشاطات المعادية للسامية مؤخرًا في أرجاء المعمورة، هو أن المتطرفين والمتعصبين ليسوا الوحيدين الذين يحرضون على الكراهية والعنف. بل نجد حكومات وقيادات دينية وجماعات تصف أنفسها بالوسطية والاعتدال ولكنها وبصورة غير مقصودة تحرض في مناهجها الدينية في المدارس على التطرف وكراهية الآخر، وسأتطرق في هذا المقال وبصورة مختصرة، للأمثلة على ما تتضمنه مناهج التربية الإسلامية في بعض البلدان العربية من تلقين الأطفال لأفكاراً تشوه المعنى الحقيقي للقرآن الكريم
والحديث النبوي الشريف.
في آخر خطبة ألقاها النبي محمد (ص)، والمعروفة بـ”خطبة الوداع،” قال: ” لقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بينا، كتاب الله وسنة نبيه.” لكن هذه الرسالة الواضحة أصبحت فيما بعد معقّدة من حيث أن البعض إستغل التفسير القرآني للإدعاء أن القرآن يشجع على الكراهية والعداء والصراع، مبتعدين عن التفسير القرآني السليم من أن القرآن الكريم كرسالة سماوية للإنسانية جمعاء يدعو إلى الوسطية والمحبة والسلام والتسامح والتعاون والرحمة. وناقش العديد من العلماء المسلمين هذه الأمور، ومنهم عبد الرحمن بن ناصر السعدي ومحمد سيد طنطاوي وأبو محمد البغوي، ولكن ولغاية الزمن الحالي، لا تزال بعض الدروس الدينية الإسلامية تطرح الإشكاليات. فعلى سبيل المثال، يتم تعليم أبناء المدارس بأن القرآن يصف اليهود بـ”الخنازير و”القرود،” عبر الاستشهاد بآيتين من سورة المائدة حيث يعاقب الله من لم يلتزموا بتحريم الصيد يوم السبت من خلال تحويلهم إلى خنازير وقردة. والتفسير الواضح هنا لهذه الآيات يشير على أن عقاب الله هذا كان مخصصًا فقط للمخالفين من الأفراد، وليس للأمة بأكملها. بعبارة أخرى، خلافًا لسوء الفهم المنتشر في صفوف بعض المسلمين، لا يصف القرآن اليهود بـ”الخنازير” و”القرود.” كما نجد خلل في الإنسجام ما بين بعض الأحاديث النبوية وما يدعو اليه القرآن الكريم، ومثال على ذلك هناك حديث متداول على نطاق واسع، يقول: “مرض يهودي كان يخدم النبي (ص) فأتاه يعوده فقعد عند رأسه وقال له: (أسلِم). فنظر اليهودي إلى أبيه وهو جالس عنده. فأشار عليه: (أطع أبا القاسم)، فأسلَمَ. فخرج النبي (ص) وهو يقول: (الحمدلله الذي أنقذه من النار). ويستشهد بعض المدرسين المسلمين بهذا الحديث ليستنتجوا أن مصير اليهود هو الجحيم، ولكن القرآن لا يأتي على ذكر مصير مماثل لهم.
أما الحديث النبوي الشريف المتعلق باليهود، والذي يعد الأكثر انتشارًا، فهو التالي: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: (يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله) إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود.” حيث يتم تدريس هذا الحديث في معظم الدول الإسلامية، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية والاردن وفلسطين وسوريا، وله تأثير عميق على مواقف المسلمين من اليهود. إلا أن هذا الحديث يتناقض مباشرة مع عدد كبير من الآيات القرآنية، والتي تأخذ الأسبقية على الحديث في حال وجود غموض في النص. فالقرآن ينص صراحة في سورة الحج على أن {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}، أي أن الله وحده يمكنه أن يكون الحكم الأخير في الأمور الخاصة بالحقيقة المطلقة. إضافة إلى ذلك، فإن القرآن الكريم يحتوي على آيات عدة تأتي على ذكر اليهود بشكل إيجابي. ومن هذه الآيات، آية وردت مرتين في سورة البقرة: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
إن الإسلام لم يأتِ لينفي الكتب السماوية التي جاءت من قبله كالعهدين القديم والجديد، وإنما ليؤكيد عليهما ويدعمهما. فالقرآن مليء بأمثلة تنم عن احترام لهذه الكتب المقدسة، المسيحية واليهودية، ويؤكد في كثير من الأحيان على القيم المشتركة ما بين الديانات الإبراهيمية الثلاثة. والأمر جلي في دستور المدينة، وهو عبارة عن اتفاق وقعه يهود المدينة المنورة والنبي (ص) عندما هاجر إليها في العام 622. فهذا التشريع الذي شكل نقطة تحول وحّد المجتمعَين وقبل بالاختلافات بين الديانتين. ويعطي دين الإسلام كلا المسيحيين واليهود نطاقًا واسعًا من الحرية والحماية الدينية، وتعتبر حقوق الأقليات واجبا دينيا وأخلاقيا. ففي أحد الأحاديث حذر النبي (ص) قائلًا: “ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة.” ويحث القرآن المسلمين على دعوة غير المسلمين إلى الحوار بأسلوب محترم ودمث حول المسائل الدينية، وعن طريق الحكمة والموعظة الحسنة. وعندما تبدأ الخلافات أو الحدة في المواقف، يرشد القرآن المسلمين في سورة الكافرون الى القول بما جاء في الآية الكريمة التالية: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} وقوله في سورة الكهف: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفرِ}. وهذا ما يجب أن نعلمه لأطفالنا في المدارس ولشبابنا في الجامعات.
لبروفيسور محمد سليمان الدجاني الداودي هو مؤسس حركة الوسطية للإسلام المعتدل في فلسطين ومدير معهد الوسطية الاكاديمي لدراسات الدكتوراة في التسامح والوسطية والاخلاق في القدس.
من أصعب الدروس التي تعلمتها من خلال الزيارتين اللتين قمتُ بهما إلى معسكر أوشفيتز النازي للاعتقال والإبادة في بولندا، هو أن المحارق والمجازر والإبادات الجماعية لا تأتي من فراغ، بل تسبقها، وبشكل روتيني شبه دائم، حملة شرسة من التحريض ضد الفئة المستهدفة. وما يثير القلق اليوم، ومع ازدياد انتشار الاسلاموفوبيا والنشاطات المعادية للسامية مؤخرًا في أرجاء المعمورة، هو أن المتطرفين والمتعصبين ليسوا الوحيدين الذين يحرضون على الكراهية والعنف. بل نجد حكومات وقيادات دينية وجماعات تصف أنفسها بالوسطية والاعتدال ولكنها وبصورة غير مقصودة تحرض في مناهجها الدينية في المدارس على التطرف وكراهية الآخر، وسأتطرق في هذا المقال وبصورة مختصرة، للأمثلة على ما تتضمنه مناهج التربية الإسلامية في بعض البلدان العربية من تلقين الأطفال لأفكاراً تشوه المعنى الحقيقي للقرآن الكريم
والحديث النبوي الشريف.
في آخر خطبة ألقاها النبي محمد (ص)، والمعروفة بـ”خطبة الوداع،” قال: ” لقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بينا، كتاب الله وسنة نبيه.” لكن هذه الرسالة الواضحة أصبحت فيما بعد معقّدة من حيث أن البعض إستغل التفسير القرآني للإدعاء أن القرآن يشجع على الكراهية والعداء والصراع، مبتعدين عن التفسير القرآني السليم من أن القرآن الكريم كرسالة سماوية للإنسانية جمعاء يدعو إلى الوسطية والمحبة والسلام والتسامح والتعاون والرحمة. وناقش العديد من العلماء المسلمين هذه الأمور، ومنهم عبد الرحمن بن ناصر السعدي ومحمد سيد طنطاوي وأبو محمد البغوي، ولكن ولغاية الزمن الحالي، لا تزال بعض الدروس الدينية الإسلامية تطرح الإشكاليات. فعلى سبيل المثال، يتم تعليم أبناء المدارس بأن القرآن يصف اليهود بـ”الخنازير و”القرود،” عبر الاستشهاد بآيتين من سورة المائدة حيث يعاقب الله من لم يلتزموا بتحريم الصيد يوم السبت من خلال تحويلهم إلى خنازير وقردة. والتفسير الواضح هنا لهذه الآيات يشير على أن عقاب الله هذا كان مخصصًا فقط للمخالفين من الأفراد، وليس للأمة بأكملها. بعبارة أخرى، خلافًا لسوء الفهم المنتشر في صفوف بعض المسلمين، لا يصف القرآن اليهود بـ”الخنازير” و”القرود.” كما نجد خلل في الإنسجام ما بين بعض الأحاديث النبوية وما يدعو اليه القرآن الكريم، ومثال على ذلك هناك حديث متداول على نطاق واسع، يقول: “مرض يهودي كان يخدم النبي (ص) فأتاه يعوده فقعد عند رأسه وقال له: (أسلِم). فنظر اليهودي إلى أبيه وهو جالس عنده. فأشار عليه: (أطع أبا القاسم)، فأسلَمَ. فخرج النبي (ص) وهو يقول: (الحمدلله الذي أنقذه من النار). ويستشهد بعض المدرسين المسلمين بهذا الحديث ليستنتجوا أن مصير اليهود هو الجحيم، ولكن القرآن لا يأتي على ذكر مصير مماثل لهم.
أما الحديث النبوي الشريف المتعلق باليهود، والذي يعد الأكثر انتشارًا، فهو التالي: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: (يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله) إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود.” حيث يتم تدريس هذا الحديث في معظم الدول الإسلامية، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية والاردن وفلسطين وسوريا، وله تأثير عميق على مواقف المسلمين من اليهود. إلا أن هذا الحديث يتناقض مباشرة مع عدد كبير من الآيات القرآنية، والتي تأخذ الأسبقية على الحديث في حال وجود غموض في النص. فالقرآن ينص صراحة في سورة الحج على أن {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}، أي أن الله وحده يمكنه أن يكون الحكم الأخير في الأمور الخاصة بالحقيقة المطلقة. إضافة إلى ذلك، فإن القرآن الكريم يحتوي على آيات عدة تأتي على ذكر اليهود بشكل إيجابي. ومن هذه الآيات، آية وردت مرتين في سورة البقرة: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
إن الإسلام لم يأتِ لينفي الكتب السماوية التي جاءت من قبله كالعهدين القديم والجديد، وإنما ليؤكيد عليهما ويدعمهما. فالقرآن مليء بأمثلة تنم عن احترام لهذه الكتب المقدسة، المسيحية واليهودية، ويؤكد في كثير من الأحيان على القيم المشتركة ما بين الديانات الإبراهيمية الثلاثة. والأمر جلي في دستور المدينة، وهو عبارة عن اتفاق وقعه يهود المدينة المنورة والنبي (ص) عندما هاجر إليها في العام 622. فهذا التشريع الذي شكل نقطة تحول وحّد المجتمعَين وقبل بالاختلافات بين الديانتين. ويعطي دين الإسلام كلا المسيحيين واليهود نطاقًا واسعًا من الحرية والحماية الدينية، وتعتبر حقوق الأقليات واجبا دينيا وأخلاقيا. ففي أحد الأحاديث حذر النبي (ص) قائلًا: “ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة.” ويحث القرآن المسلمين على دعوة غير المسلمين إلى الحوار بأسلوب محترم ودمث حول المسائل الدينية، وعن طريق الحكمة والموعظة الحسنة. وعندما تبدأ الخلافات أو الحدة في المواقف، يرشد القرآن المسلمين في سورة الكافرون الى القول بما جاء في الآية الكريمة التالية: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} وقوله في سورة الكهف: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفرِ}. وهذا ما يجب أن نعلمه لأطفالنا في المدارس ولشبابنا في الجامعات.
لبروفيسور محمد سليمان الدجاني الداودي هو مؤسس حركة الوسطية للإسلام المعتدل في فلسطين ومدير معهد الوسطية الاكاديمي لدراسات الدكتوراة في التسامح والوسطية والاخلاق في القدس.