Menu Close

مقابلة مع الأستاذ الدكتور محمد الدجاني الداودي مؤسس حركة الوسطية أغسطس 30, 2012

محمد الدجاني الداودي

يوم الجمعة الرابع والعشرون من آب/أغسطس أجرى محررو منتدى فكرة مقابلة مع البروفيسور محمد دچاني داوودي مؤسس حركة الوسطية وأستاذ بجامعة القدس. الوسطية هي أول حركة إسلامية فلسطينية تدعو لسلام تفاوضي مع إسرائيل من شأنه أن يساعد على خلق حلول سلمية للأزمات الحادة الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية المبتلى بها المجتمع الفلسطيني. وهي تدعو إلى إقامة دولة مستقلة متسامحة ديمقراطية علمانية غير عسكرية تغذي الرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وتتبنى القيم الليبرالية المتمثلة في المساواة والتسامح والتعددية وحرية التعبير وسيادة القانون واحترام الحقوق المدنية وحقوق الإنسان. وتؤمن الوسطية أن كل تلك القيم مترسخة في النصوص القرآنية والنبوية الإسلامية.

ماذا كان تطلعك عند بداية الوسطية؟

لقد كان ذلك في أواخر 2006 خلال شهر رمضان. يطل بيتي على نقطة تفتيش ضاحية البريد والرام وكنت أقف في شرفة مكتبي ورأيت مئات الفلسطينيين من الضفة الغربية يحاولون عبور هذه النقطة للذهاب إلى القدس للصلاة في الحرم الشريف والمسجد الأقصى. وقد قاومهم الجنود الإسرائيليون وألقوا بقنابل الغاز المسيل للدموع عليهم لكن بلا جدوى. وقد حملت الريح يومها هذا الغاز باتجاهي لأكثر من مائة متر وتوقعت التصوير والتغطية الإعلامية الثقيلة لكن فجأة لاحظت أن الأمور قد هدأت، ولما استفسرت عن ذلك وجدت أنه قد تم التوصل إلى تسوية بين كبار الضباط والناس حيث وفر الجيش الإسرائيلي حافلات تأخذ الفلسطينيين للصلاة في القدس بعد أخذ بطاقات هويتهم وردها لهم عند عودتهم.

هذه الحادثة جعلتني أفكر: هؤلاء الناس متدينون لكن باعتدال ولو كانوا متطرفين لكانوا قد رفضوا التفاوض ولجأوا إلى العنف لجذب انتباه الإعلام. ومع هذا فقد اختاروا التفاوض واستخدام الحوار للتوصل إلى تسوية سلمية الطرفان فيها فائزان.

ثم قفز إلى ذهني تساؤل: من يمثل المتدينين المعتدلين في فلسطين؟ ثمة أكثر من عشرة أحزاب دينية إسلامية في فلسطين لكنها جميعا تدعو إلى الإسلام الراديكالي. ونتيجة لهذا تم تأسيس الوسطية في 1 كانون الثاني/يناير 2007 وعُقد المؤتمر السنوي الأول لها في 21 آذار/مارس 2007 تزامنا مع بداية الربيع.

كيف تفسر الوسطية الإسلام والقرآن لمحاربة التطرف وتعزيز السلام؟

يتم تدريس الإسلام على يد الراديكاليين باعتباره حسب ظنهم متصادما مع الأديان الأخرى. فالراديكاليون يُدرسونه على أنه عقيدة الدين الناسخ الذي جاء من الله ليحل محل المسيحية واليهودية لأن كليهما قد تم تحريفه والنبي محمد يتفوق على كل الأنبياء. وكل هذا يتناقض مع النص القرآني حيث يعتبر المسلمون القرآن هو كلمة الله التي لا تأتيها الباطل من بيد يديها ولا من خلفها. يقول القرآن: “وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ” سورة الأنعام آية 115، وهكذا ولأنه لا مبدل لكلماته فإن العقدة تكمن في كيفية تفسير القرآن، بمعنى هل يتم تفسير النص لتعزيز قيم الكراهية والعداوة والصراع مع الآخر أم لتعزيز الخير والسلام والمساواة والرحمة والتعددية والاحترام والتآلف والتفاهم والتعاون مع الآخر؟

ولنأخذ مثالا وهو تفسير كلمة وسطاً في الآية “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً” البقرة آية 143 حيث تم تفسيره في الآية بأنه يعني الوسطية التي تدل على العدل والتوازن والاعتدال وإيجاد أرضية مشتركة مع الآخر والتعايش وهو ما يثبت أن أمة الإسلام أمة عادلة ومعتدلة. أما المسلمون الراديكاليون فيفسرونها بأنها تعني أن المسلمين واقعون بين “اليهود الذي جلبوا على أنفسهم سخط الرب و المسيحيين الذين ضلوا” أو أن المسلمين واقعون بين “اليهود الذين قتلوا الأنبياء” و “المسيحيين الذين اتخذوا نبيهم إلها” أو أخيرا أن المسلمين واقعون بين “اليهود الذين أغضبوا ربهم” و “المسيحيين الذين انحرفوا عن الطريق الصحيح.” ومثل هذه التفسيرات تتناقض مع الكثير من الآيات في القرآن مثل الآية التي تقول “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ.” سورة البقرة آية 62.

من هم الواقفون وراء الوسطية وكيف عساك تصف شخصا عاديا في الوسطية؟

يوجد في فلسطين نخبة علمانية متنوعة تمثل مزيجا من أولئك الذين درسوا في أوروبا الغربية والولايات المتحدة وكذلك أولئك الذين درسوا في جامعات عربية مثل الأردن ومصر وسوريا والعراق وهؤلاء الذين درسوا في الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية حيث تربطهم جميعا العلمانية وتوحدهم ضد الأصوليين الدينيين. ومع ذلك فإنه رغم أن الأفكار العلمانية والليبرالية تربطهم جميعا برباط واحد إلا أن هذه الأفكار تفصلهم عن الجماهير المرتبطة بعمق بالإسلام. وفي الوقت الذي تقرأ فيه النخبة العلمانية الفلسطينية روسو وفولتير وكانط ولوك ونيتشه وماركس ولينين وجيفارا وغيرهم تقرأ الجماهير الفلسطينية القرآن وسيرة النبي وتعاليم خلفاء وفقهاء الإسلام.

وفي فلسطين يترسخ المتشددون بقوة في قيادة الحركات الإسلامية ويعززون مكانتهم مستغلين القمع الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية والفلسطينية ضدهم. فالسجن والتعذيب والإذلال يؤثرون بقوة على الأيديولوجية لدرجة أنه كلما تعرض النشطاء الإسلاميون للقمع صارت الفرصة أمامهم سانحة أكثر للصعود إلى المواقع القيادية وزادت صقوريتهم.

وتمثل الوسطية جذبا لقطاع من الأفراد ممن لهم التزام عميق بالإسلام وبنهجه وذلك لحسم الصراع من خلال الوسائل السلمية والتعددية. وعلى هذا الأساس تتطلع الوسطية إلى بناء مستقبل أكثر إشراقاً.

وسيظل الهدف هو إنشاء دولة فلسطينية تكون القدس الشرقية عاصمتها الدينية. ومع ذلك فإن الطريق الذي ينبغي سلكه هو المفاوضات السلمية وليس المصادمة العنيفة.

والوسطي هو شخص يؤمن أن المسلمين والمسيحيين واليهود يعبدون نفس الإله ويشتركون في نفس القيم ويؤمن بالديمقراطية والتعددية والتعايش وعدم العنف في حل الصراع والحرية الدينية والمعاملة بالمساواة للمرأة واحترام حق الأفراد في الاختلاف أو اختيار الدين الذي يريدونه، وهو شخص يرغب في التعايش سلميا مع أتباع العقائد الأخرى ويسعى للحوار معهم والتأكيد على الأرضية المشتركة بدلا من الاختلافات بين الأديان.

وقد قال شمعون الصفا: يستند العالم إلى ثلاثة أشياء: التوراة والعبادات وأعمال البر والوسطية تقول: يستند العالم إلى ثلاثة أشياء: الكتب المقدسة والعبادات وأعمال التطوع والإحسان.

هل يمكن أن تصف حركة الوسطية بأنها “السواد الأعظم”؟ كيف تتعامل مع تطبيع قيم الاعتدال والتعددية والتعايش بين السواد الأعظم من المجتمع؟

يمكنني أن أصف رؤية الوسطية ورسالتها بأنها “السواد الأعظم” لكن حركة الوسطية نفسها ما يزال أمامها طريق طويل، ونحن نأمل أن يؤدي نشر الثقافة الوسطية في المجتمع الفلسطيني إلى تحسين جودة الحياة داخليا وتعزيز الصورة الأفضل للشعب الفلسطيني خارجيا والمساعدة على إقناع العالم بأننا نستحق أن يكون لنا مكان بين الأمم. وسياسيا نحن نجاهد لخلق مظلة ينضوي تحتها كل الفلسطينيين المعتدلين. ولو نجحنا في توحيد كل الفصائل الفلسطينية المختلفة تحت راية الاعتدال فسنكون في وضع أفضل كثيرا يمكننا من اتباع حوار مثمر في المفاوضات مع الإسرائيليين وهو السبيل الذي يترجح أكثر إن كنا نريد تحقيق السلام.

كما أننا نسعى لترسيخ قيم الاعتدال والتعددية والتعايش بين السواد الأعظم من المجتمع عبر وسائل الإعلام ونشر الكتب بالعربية أو الإنجليزية وتنظيم ورش عمل تدريبية لتعزيز إدراك العدالة والتوازن والتطوع والاعتدال الديني بوصفها قيم أصيلة في المجتمع الفلسطيني مما سوف يُعمق معرفة العناصر والمبادئ الرئيسية في المجتمع الفلسطيني التي سوف تخلق بدورها سياقا لتعددية دينية وتوسع فهم التقاليد الدينية المختلفة في فلسطين وتغذي استحسان نقاط القوى والتعقيد في مجتمع متعدد العقائد. كما أننا نسعى أيضا لتحديد وتوجيه المعرفة بمبادئ وقيم وممارسات حوار الأديان وتطوير قدرة المشاركين على القيادة في مجتمعهم. وسوف يَنصبُّ تركيز هذه البرامج على تشجيع وتمكين الشباب لخلق خطط عمل متصلة بالتعددية الدينية والسياسية وتنفيذ تلك الخطط بين طوائفهم الدينية.

هل فكرت يوما في توسيع حركة الوسطية لتشمل دولا أخرى في المنطقة؟ وكيف عسى تستفيد دول أخرى من حركتك؟

في نهاية المطاف سوف تتسع رؤية ومفهوم الوسطية لتشمل دولا أخرى في المنطقة ونأمل تنظيم مؤتمر سنوي يجمع حركات الوسطية وجماعاتها من دول أخرى معا لنشر ثقافة الاعتدال والتعاون داخل المنطقة.

ما الذي تحتاج المنطقة إلى حدوثه لازدهار ثقافة الوسطية؟

الوصول إلى حل سلمي وشامل ودائم للصراع العربي الإسرائيلي بالتأكيد سوف يمهد الطريق لانتعاش ثقافة الوسطية. وبالتمسك بقيم الوسطية والتسامح والتعايش الإسلامية تتبنى الوسطية الحوار والمفاوضات باعتبارها الطريقة المثلى لحسم الصراعات أو الخلافات. ولذا فإن التوصل إلى موقف يكون فيه الطرفان فائزين بعد كل هذه الآلام والمعاناة سيجعل التسوية المقبولة احتمالا مؤكد الحدوث.

هل تعتقد أن الوسطية سوف تشكل يوما ما حزبا سياسيا؟

في نهاية المطاف سوف تفرز الوسطية حزبا سياسيا يستند إلى الأعمدة الأساسية للسلام وبناء الدولة وإصلاح الحكومة والتعليم وتمكين المرأة والاعتدال الديني والسياسي وتنمية المجتمع المدني.

الدكتور محمد الدجاني الداودي هو مؤسس حركة الوسطية ومدير برنامج الدراسات الأمريكية في جامعة القدس.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *