محمد الدجاني الداودي
لقد تم الحديث مؤخراً عن “اللاءات” الفلسطينية التي حلّت محل “لاءات” قمة الخرطوم الثلاث عام 1967 (لا مفاوضات، لا صلح، لا إعتراف) ، واذا كان البعض يدعم موقف السلطة حيال المسائل العالقة بين الجانبين
الفلسطيني والاسرائيلي، فان هناك نظرة فلسطينية مغايرة ترى بان هذه اللاءات سوف تواجه مصيراً مماثلاً لمصير “لاءات” قمة الخرطوم.
“اللاء” الأولى تتعلق بالمطلب او الشرط الإسرائيلي للاعتراف بـ “يهودية الدولة” و السؤال هو: لماذا موقف الجانب الفلسطيني شديد الصلابة؟ إن هذا الشرط الإسرائيلي لا علاقة له بالذاكرة او الضمير او الرواية او”السرد” الفلسطيني والعربي والإسلامي لتاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي، أو بحقوق اللاجئين في العودة والتعويض، او “بمواطنة” فلسطيني الخط الأخضر كما يرى البعض. الفلسطينيون اعترفوا بدولة اسرائيل وبيهودية دولة اسرائيل الممثلة باسمها. وسواء رغبت اسرائيل بعد هذا الاعتراف أن تكون يهودية أو علمانية أو ديمقراطية أو مسيحية فما علاقة الفلسطينيين بذلك؟ وماذا لو توجهت إسرائيل غدا الى الامم المتحدة وتقدمت بطلب تغيير اسمها من دولة إسرائيل الى دولة إسرائيل اليهودية – كما فعلت بعض الدول التي اضافت الى اسم الدولة صفة “الإسلامية” كليبيا وايران، فهل ستعترض السلطة الفلسطينية على ذلك في الامم المتحدة؟ وهل سيأخذنا العالم بجدية لو فعلنا ذلك؟
الأصوات الإسرائيلية التي تقف خلف هذا المطلب/الشرط، تسعى لحفز الفلسطينيين على إبداء مزيد من الصلابة من أجل توجيه اللوم لهم على فشل المفاوضات- كما حدث عندما صدر قرار الامم المتحدة الداعي للتقسيم عام 1947. ان المطلب / الشرط الإسرائيلي المتعلق بـ “يهودية الدولة” سراب أن احدقنا النظر به لإختفى.
“اللاء” الثانية تتعلق بالقدس الشرقية، وهنا المقصود القدس القديمة داخل الأسوار التي تجمع ما بين الاماكن المقدسة، والسؤال هو: لما لا تعطى وضعا دوليا خاصا يشارك الجميع برعايته والاشراف عليه؟ أما خارج الأسوار فإننا نجد على أرض الواقع قدس غير دينية قامت البلديات العربية والاسرائيلية المتعاقبة باضافتها للمدينة وتقسم الى قدس إسرائيلية وقدس عربية تفصلهما حواجز نفسية وسياسية ، والقول ان المدينة موحدة لا يعكس الواقع. إن التعنت الإسرائيلي يهدف لدفع الفلسطينيين للتصلب بمواقفهم من اجل التسبب في انهيار المفاوضات وإفشال مهمة وزير الخارجية الامريكي جون كيري والقضاء على عملية السلام .
أما “اللاء” الثالثة، تخص الوجود الإسرائيلي في منطقة غور الأردن، على حدود الدولة الفلسطينية. الفلسطينيون قبلوا بأية قوة ثالثة ترابط في هذه المنطقة، تحت رايات الأمم المتحدة. وطالما أن المبدأ بأن ترابط جهة اجنبية قد تم الموافقة عليه، ففي حال توقيع اتفاق سلام فإن اسرائيل ستكون مثلها مثل أية دولة أجنبية ولكن بإمكانيات وخبرات أفضل لحماية القرى والمناطق الفلسطينية كي لا تصبح مرتعا للإرهاب والقنابل اليومية في الاسواق والمساجد، وكما هو الحال في مصر والعراق وسوريا وبغداد وأفغانستان. والمهم ألا تتمركز القوات إسرائيلية على أبواب الدولة الفلسطينية تمنع وتسمح وكأننا في سجن كبير. إن مرابطة قوة ثالثة على الحدود في هذه المناطق لن يحمي الدولة الفلسطينية من إرهاب القوى المعادية التي سوف تنقل الى فلسطين الويلات التي تعاني حاليا منها عددا من شعوب المنطقة. وهنا من الضروري التنسيق مع الشقيقة الاردن حول الموضوع للتوصل الى ترتيبات امنية فلسطينية اردنية- اسرائيلية، بالاضافة الى وضع أجهزة تكنولوجيّة متطورة لمراقبة الحدود.إن التواجد العسكري المباشر، الفلسطيني- الاردني- الاسرائيلي، مع وضع أجهزة تكنولوجيّة متطورة لمراقبة الحدود وإقامة جدار أمني متطور، هو الحل الامثل لحراسة الغور البالغ طوله 250 كم، واية قوة لن تتمكن لوحدها من إغلاق الحدود وتأمين الامن والحماية الكافية لمنع المنظمات الارهابية من التسلل الى المناطق المدنية في الداخل.
أما “اللاء” الرابعة، فتتعلق بالمطلب الاسرائيلي أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. وعلى الرغم من ان هذا المطلب يبدو حاليا وكأنه انتقاص من السيادة الفلسطينية، الا انه قد يتبين مستقبلا انه لصالح الفلسطينيين كي تخصص الاموال لبناء الدولة وتحسين الاقتصاد والاوضاع الاجتماعية بدلا من صرفها على امور عسكرية. عندما قرر الحلفاء في اعقاب الحرب العالمية الثانية على ضرورة ان تكون اليابان والمانيا دول منزوعة السلاح، استخدم اليابانيون والالمان ميزانياتهم لاعادة بناء دولهم واصبحتا من عمالقة الدول الصناعية في العالم. كما ان قرار استخدام عائدات البترول لشراء اسلحة متطورة بدلا من تحسين اوضاع الشعب الايراني كان من اسباب سقوط شاه ايران، محمد رضا بهلوي.
“اللاءات” الأخرى ايضا قابلة للتسويات وعلى الموقف التفاوضي الفلسطيني أن ينسجم مع الحدود الدنيا من المرجعيات التي قامت عليها عملية السلام ولكن دون أن يبدي تعنتا أو تصلبا فقط لمجرد اظهار انه غير مستعد “للتفريط” بأي مسألة.
لو استخدمنا هذا المنطق، من الممكن أن تتكلل مهمة كيري بالنجاح وان تتوصل الى سلام يضمن المستقبل لاولادنا. ومن المعلوم ان هناك تفاوتا كبيرا في موازين القوى بين الطرفين،والاسرائيليون يكررون فيما بينهم السؤال التالي على الدوام: لما نرغب بالسلام والتنازل عن الارض ونحن انتصرنا في الحرب ولو خسرنا الحرب لخسرنا كل شيء؟” كما أن اليهود يعانون من عقدة الهولوكوست التي جعلتهم يؤمنون بشعار: “ما حدث لن يتكرر مرة اخرى”.
ولذا فان كيري بنى استراتيجيته على فرضية أنه من الضروري اولا التوصل الى اتفاق مع الإسرائيليين ثم التفاوض مع الفلسطينيين لايجاد نقاط التقاء بينهما مع استخدام الضغوطات على الطرفين بهدف تليين مواقفهما. فهو استعان بضغوطات الاوروبيين واليهود الامريكيين على الاسرائيليين والضغوطات العربية على الفلسطينيين، وسوف يكون من حسن حظ الطرفين اذا تمكن كيري من التوصل إلى نتائج مرضية للمفاوضات، وهو قد أرجأ جولته الحادية عشرة بانتظار أن تنتهي إسرائيل من التفاوض مع نفسها، ومن ثم مع واشنطن، وبعدها سوف يتفاوض مع الفلسطينيين حول ما تم التوصل اليه من نتائج في المحادثات الأمريكية – الإسرائيلية.
ويسعى اليمين المتطرف في اسرائيل الى افشال المفاوضات ولكن مع تحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية فشلها من اجل وقف المساعدات الامريكية والاوروبية المقدمة لهم. والمشكلة انه لو غادر كيري في حال فشله فانه لن يكون له اي مبرر او داع كي يعود إلى المنطقة من جديد، تاركاً الفلسطينيين نهباً للعدوان والاستيطان والاحتلال، و هذا ما يتمناه المتطرفون في اسرائيل الذين يعادون السلام.
وهنا فانني ارفض الادعاء بان جميع الاسرائيليين معادين للسلام، و بان جميع الفلسطينيين محبي للسلام، واتفق مع القول بان هناك معسكرا يضم فلسطينيين واسرائيليين يسعون للسلام في مواجهة معسكر يضم فلسطينيين واسرائيليين معادي للسلام ويسعى لاجهاض مساعي السلام.
حين قبل الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر مشروع وزير الخارجية الامريكي روجرز عام 1968 رفضناه رفضا باتا بناءً على شعارات المتشددين، فغادر ولم يعد. وعندما دعانا الرئيس المصري السابق انور السادات للذهاب معه الى كامب ديفيد عام 1978 للتفاوض، لحقنا بالمتطرفين ووصفناه بالخيانة، فذهب من دوننا، وندمنا على ذلك اليوم
لم لا نتعلم من دروس الماضي من اجل مستقبل اطفالنا ونستمع للمعتدلين؟
الأستاذ محمد سليمان الدجاني الداودي هو مؤسس حركة الوسطية في فلسطين، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس.
*
تدريس الهولوكوست في فلسطين
نوفمبر 26, 2013
محمد الدجاني الداودي
تشكل عملية تدريس موضوع الهولوكوست (وانا هنا لا اريد استخدام الترجمة العربية “المحرقة” لانها لا تعبر عن الواقع) في فلسطين تحدّ كبير بسبب استمرار الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي. واذا كان الغرب يعتبر بان مسألة تدريس المحرقة لا تقتصر على اليهود، فان العرب، لا سيما الفلسطينيين، ينظرون اليها بطريقة مغايرة أي كشأن يهودي بحت. وهنا تكمن التحديات أمام تدريس الهولوكوست في فلسطين. ونجدها على أربع مستويات: التعليمية والسياسية والدينية والنفسية.
فعلى المستوى التعليمي، لم تكن احداث ووقائع الهولوكوست تُذكر بصفة تقليدية في النصوص المدرسية العربية أو الفلسطينية، كما لم تكن ولا تزال لا تُدرّس في المدارس أو الجامعات العربية او الفلسطينية. فهذا أمر يتم تجاهله كلياً في دروس التاريخ بسبب النزاع العربي الاسرائيلي. وبهذا، فإن غالبية العرب والفلسطينيين يجهلون هذا الحدث المأساوي في التاريخ الانساني،
وعلى المستوى السياسي، فإن الفلسطينيين هم الأمة الوحيدة في العصر الحديث التي لا تزال تحت الاحتلال العسكري، وشأنهم شأن بعض الشعوب الأخرى، فهم محرومون من حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مدنية ديمقراطية ومستقلة. ومن ثم، فإن معظم الفلسطينيين ينظرون إلى الهولوكوست باعتباره مصدر يوم نكبة عام 1948 الذي يحتفل به الإسرائيليون باعتباره عيداً للاستقلال للدولة اليهودية. ويدفع الصراع العديدين للنظر إلى تلك المسألة على أنها دعاية صهيونية تهدف إلى خلق تعاطف مع القضية اليهودية. في حين يعتبره البعض دعاية صهيونية او حدث مضخم لكسب العطف الدولي للدولة اليهودية.
وعلى المستوى الديني، فإن النزعة الراديكالية لدى البعض في فلسطين، في تدريس دين الإسلام تشدّد على وجود تصادم في القيم والمعتقدات ما بين الإسلام من جانب، واليهودية والمسيحية من جانب آخر. وعليه فان تفسير عدد من آيات القرآن الكريم وشرحها يتم بطريقة تدعم هذه الحجة. على سبيل المثال، يقول الله تعالى في الآية 143 }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً{ ولكن بدلاً من تفسير الآية على أنها تدعو للعدالة والتسامح والاعتدال، يجري تفسيرها على النحو التالي: “المسلمون أمة وسط بين اليهود الذين قتلوا الأنبياء والمسيحيين الذين ألهوا نبيهم”. المثال الآخر هو طريقة تدريس الآيات الأخيرة من سورة الفاتحة والتي تقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (المسلمين بدلاً من المؤمنين) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ (اليهود بدلاً من غير المؤمنين) وَلَا الضَّالِّينَ (المسيحيين بدلاً من المنافقين)}. ايضا، طريقة تدريس الآيات التي تعتبر الدين عند الله سبحانه وتعالى الاسلام فهل نعنى بدلك الدين الاسلامي فنستثني الديانات السماوية الآخرى كاليهودية والمسيحية أو نعني من آمن بالله وسلم له وعبده فلا نستثني الديانات السماوية الآخرى كاليهودية والمسيحية.
ومن بين الأحاديث الواسعة الانتشار التي تُنسب، أو إن أردنا الدقة، التي تُنسب خطأً إلى الرسول (ص)، قوله: ” لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم ! يا عبدالله ! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود .” والنص الديني الذي يتم تدريسه في المدارس يقول: ” في هذا الحديث النبوي يخبرنا الرسول (ص) بأحد أشكال المعارك بين المسلمين واليهود…” تجدر الاشارة هنا الى ان هذا الحديث يتناقض مع آيات القرآن التي تعظِّم حرمة الحياة بحسب ما يرد في الآيات التالية: }وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ{ [سورة الإسراء، الآية 33]،} وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ{ [سورة الأنبياء، الآية 107] وتشمل هذه الرحمة جميع البشر ومن بينهم اليهود والمسيحيين وغير المؤمنين. وما من شك في أن الحديث المشار إليه أعلاه يتناقض مع الآيات التالية: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [سورة هود، الآية 118] } لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة، الآية 256] ؛ {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ.{ [سورة الكهف الآية 29]؛ }إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.{ [سورة السجدة الآية 25 ] }فالله يحكم بينكم يوم القيامة} [سورة النساءالآية141]. كما أن النص يتعارض مع رواية البخاري التي تقول: “مرت جنازة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام لها احتراما للميتً، فقيل له يا رسول الله: “إنها جنازة ليهودي”. فاجاب: “أليست نفساً؟”
إن القرآن الكريم يحترم التوراة والإنجيل ويصفهما بالكتابين المقدسين. كما يشير إلى اليهود والمسيحيين بلفظ: “أهل الكتاب”، أو “الذين أوتوا الكتاب”. وهناك نحو 60 آية في القرآن تخاطب اليهود مباشرة كما في قوله تعالى: }يا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{ [سورة البقرة؛ الآية 47].
اما على المستوى النفسي، فإن المجتمع الفلسطيني يعاني من جرح عميق لم يبرأ بعد. ورغم أن احداث الهولوكوست وقعت في الماضي، إلا أن محنة الفلسطينيين ما زالت مستمرة في الحاضر. ومن ثم، يصعب جداً أن تطلب من الضحايا الذين يعانون من احتلال لوطنهم ومصادرة مستمرة لأراضيهم وممتلكاتهم ومعاناة احبائهم في المعتقلات وحرمانهم من حقوقهم الانسانية أن يتعرفوا على معاناة الآخر.
استراتيجية لتدريس الهولوكوست
يطرح الفلسطينيون السؤال التالي: “لماذا ينبغي أن نتعلم عن الهولوكوست؟” وإجابتي هي ان قيمة التعرف على الهولوكوست تكمن فيما يلي:
(1) ان التعلم عن الهولوكوست مؤشر على احترام الحقيقة. اما إنكار الحقيقة أو تجاهلها فانه يدمِّر القيم التي يعتز بها المرء.
(2) ان هذا هو الشيء الصواب. فانتقادنا على أمر ما لا يعني بان علينا تجنبه او نتجاهله.
(3) إنكار الهولوكوست خطأ تاريخي وغير مقبول أخلاقياً.
(4) الحاجة إلى التعرف على الدروس المأساوية من الماضي ضرورة لتجنب حدوثها مرة أخرى في المستقبل.
(5) يحث القرآن الكريم على طلب المعرفة والعلم: }…وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْما.ً{ [سورة طه، الآية 20]. وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (سورة الزمر، الاية 9)
(6) يحث االرسول (ص) على طلب المعرفة والعلم: وقد روي عن الرسول (ص) قوله: “اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد”. وقوله: “اطلبوا العلم ولو في الصين”.
(6) يقول الحكماء أنه بدون معرفة الشر لا نستطيع أن نفهم معنى الخير.
(7) إظهار التعاطف والشفقة تجاه معاناة الآخرين، حتى إذا لم تجمعكم صداقة أو أواصر محبة، سوف يجعل هذا العالم مكاناً أفضل للعيش فيه.
إن النهج التعليمي يمثّل أهمية قصوى عند تدريس مواضيع حساسة. لذا فإنني أشجّع التعلم النشط من خلال إقرار الخطوات التالية لتدريس مثل هذا الموضوع المثير للجدل:
(1) تدريس اهمية التفكير الناقد والإبداعي.
(2) تدريس اهمية تبني الوسطية والاعتدال.
(3) تدريس المحرقة إلى جانب عمليات الإبادة الجماعية الأخرى في التاريخ الحديث، كما حدث في رواندا، مع شرح الروابط والتشابكات. وسيكون من المفيد للغاية الاستعانة بأفلام وثائقية كأداة تعليمية.
لقد وجدت صعوبة بالغة في العثور على نص دراسي باللغة العربية عن الموضوع، لهذا شاركت في تأليف كتاب مع زينة بركات ومارتن رو بعنوان: (الهولوكوست – المعاناة البشرية: هل يوجد مَخرج من العنف؟) (2012)
وفي الختام، عندما تم عرض فيلما وثائقياً عن الهولوكوست في جامعة القدس، رفع أحد الطلاب يده وسأل: “لماذا ينبغي أن نتعلم عن المحرقة في حين أن الإسرائيليين جعلوا استخدام مصطلح النكبة غير قانوني وحظروا ذكر أي شيء بخصوصه في نصوصهم المدرسية؟” وكانت إجابتي دقيقة ومقتضبة: “لا تهتم بما يفعله الآخر، بل افعل ما تراه الصواب”.
الأستاذ محمد سليمان الدجاني الداودي هو مؤسس حركة الوسطية في فلسطين، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس.
لقد تم الحديث مؤخراً عن “اللاءات” الفلسطينية التي حلّت محل “لاءات” قمة الخرطوم الثلاث عام 1967 (لا مفاوضات، لا صلح، لا إعتراف) ، واذا كان البعض يدعم موقف السلطة حيال المسائل العالقة بين الجانبين
الفلسطيني والاسرائيلي، فان هناك نظرة فلسطينية مغايرة ترى بان هذه اللاءات سوف تواجه مصيراً مماثلاً لمصير “لاءات” قمة الخرطوم.
“اللاء” الأولى تتعلق بالمطلب او الشرط الإسرائيلي للاعتراف بـ “يهودية الدولة” و السؤال هو: لماذا موقف الجانب الفلسطيني شديد الصلابة؟ إن هذا الشرط الإسرائيلي لا علاقة له بالذاكرة او الضمير او الرواية او”السرد” الفلسطيني والعربي والإسلامي لتاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي، أو بحقوق اللاجئين في العودة والتعويض، او “بمواطنة” فلسطيني الخط الأخضر كما يرى البعض. الفلسطينيون اعترفوا بدولة اسرائيل وبيهودية دولة اسرائيل الممثلة باسمها. وسواء رغبت اسرائيل بعد هذا الاعتراف أن تكون يهودية أو علمانية أو ديمقراطية أو مسيحية فما علاقة الفلسطينيين بذلك؟ وماذا لو توجهت إسرائيل غدا الى الامم المتحدة وتقدمت بطلب تغيير اسمها من دولة إسرائيل الى دولة إسرائيل اليهودية – كما فعلت بعض الدول التي اضافت الى اسم الدولة صفة “الإسلامية” كليبيا وايران، فهل ستعترض السلطة الفلسطينية على ذلك في الامم المتحدة؟ وهل سيأخذنا العالم بجدية لو فعلنا ذلك؟
الأصوات الإسرائيلية التي تقف خلف هذا المطلب/الشرط، تسعى لحفز الفلسطينيين على إبداء مزيد من الصلابة من أجل توجيه اللوم لهم على فشل المفاوضات- كما حدث عندما صدر قرار الامم المتحدة الداعي للتقسيم عام 1947. ان المطلب / الشرط الإسرائيلي المتعلق بـ “يهودية الدولة” سراب أن احدقنا النظر به لإختفى.
“اللاء” الثانية تتعلق بالقدس الشرقية، وهنا المقصود القدس القديمة داخل الأسوار التي تجمع ما بين الاماكن المقدسة، والسؤال هو: لما لا تعطى وضعا دوليا خاصا يشارك الجميع برعايته والاشراف عليه؟ أما خارج الأسوار فإننا نجد على أرض الواقع قدس غير دينية قامت البلديات العربية والاسرائيلية المتعاقبة باضافتها للمدينة وتقسم الى قدس إسرائيلية وقدس عربية تفصلهما حواجز نفسية وسياسية ، والقول ان المدينة موحدة لا يعكس الواقع. إن التعنت الإسرائيلي يهدف لدفع الفلسطينيين للتصلب بمواقفهم من اجل التسبب في انهيار المفاوضات وإفشال مهمة وزير الخارجية الامريكي جون كيري والقضاء على عملية السلام .
أما “اللاء” الثالثة، تخص الوجود الإسرائيلي في منطقة غور الأردن، على حدود الدولة الفلسطينية. الفلسطينيون قبلوا بأية قوة ثالثة ترابط في هذه المنطقة، تحت رايات الأمم المتحدة. وطالما أن المبدأ بأن ترابط جهة اجنبية قد تم الموافقة عليه، ففي حال توقيع اتفاق سلام فإن اسرائيل ستكون مثلها مثل أية دولة أجنبية ولكن بإمكانيات وخبرات أفضل لحماية القرى والمناطق الفلسطينية كي لا تصبح مرتعا للإرهاب والقنابل اليومية في الاسواق والمساجد، وكما هو الحال في مصر والعراق وسوريا وبغداد وأفغانستان. والمهم ألا تتمركز القوات إسرائيلية على أبواب الدولة الفلسطينية تمنع وتسمح وكأننا في سجن كبير. إن مرابطة قوة ثالثة على الحدود في هذه المناطق لن يحمي الدولة الفلسطينية من إرهاب القوى المعادية التي سوف تنقل الى فلسطين الويلات التي تعاني حاليا منها عددا من شعوب المنطقة. وهنا من الضروري التنسيق مع الشقيقة الاردن حول الموضوع للتوصل الى ترتيبات امنية فلسطينية اردنية- اسرائيلية، بالاضافة الى وضع أجهزة تكنولوجيّة متطورة لمراقبة الحدود.إن التواجد العسكري المباشر، الفلسطيني- الاردني- الاسرائيلي، مع وضع أجهزة تكنولوجيّة متطورة لمراقبة الحدود وإقامة جدار أمني متطور، هو الحل الامثل لحراسة الغور البالغ طوله 250 كم، واية قوة لن تتمكن لوحدها من إغلاق الحدود وتأمين الامن والحماية الكافية لمنع المنظمات الارهابية من التسلل الى المناطق المدنية في الداخل.
أما “اللاء” الرابعة، فتتعلق بالمطلب الاسرائيلي أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. وعلى الرغم من ان هذا المطلب يبدو حاليا وكأنه انتقاص من السيادة الفلسطينية، الا انه قد يتبين مستقبلا انه لصالح الفلسطينيين كي تخصص الاموال لبناء الدولة وتحسين الاقتصاد والاوضاع الاجتماعية بدلا من صرفها على امور عسكرية. عندما قرر الحلفاء في اعقاب الحرب العالمية الثانية على ضرورة ان تكون اليابان والمانيا دول منزوعة السلاح، استخدم اليابانيون والالمان ميزانياتهم لاعادة بناء دولهم واصبحتا من عمالقة الدول الصناعية في العالم. كما ان قرار استخدام عائدات البترول لشراء اسلحة متطورة بدلا من تحسين اوضاع الشعب الايراني كان من اسباب سقوط شاه ايران، محمد رضا بهلوي.
“اللاءات” الأخرى ايضا قابلة للتسويات وعلى الموقف التفاوضي الفلسطيني أن ينسجم مع الحدود الدنيا من المرجعيات التي قامت عليها عملية السلام ولكن دون أن يبدي تعنتا أو تصلبا فقط لمجرد اظهار انه غير مستعد “للتفريط” بأي مسألة.
لو استخدمنا هذا المنطق، من الممكن أن تتكلل مهمة كيري بالنجاح وان تتوصل الى سلام يضمن المستقبل لاولادنا. ومن المعلوم ان هناك تفاوتا كبيرا في موازين القوى بين الطرفين،والاسرائيليون يكررون فيما بينهم السؤال التالي على الدوام: لما نرغب بالسلام والتنازل عن الارض ونحن انتصرنا في الحرب ولو خسرنا الحرب لخسرنا كل شيء؟” كما أن اليهود يعانون من عقدة الهولوكوست التي جعلتهم يؤمنون بشعار: “ما حدث لن يتكرر مرة اخرى”.
ولذا فان كيري بنى استراتيجيته على فرضية أنه من الضروري اولا التوصل الى اتفاق مع الإسرائيليين ثم التفاوض مع الفلسطينيين لايجاد نقاط التقاء بينهما مع استخدام الضغوطات على الطرفين بهدف تليين مواقفهما. فهو استعان بضغوطات الاوروبيين واليهود الامريكيين على الاسرائيليين والضغوطات العربية على الفلسطينيين، وسوف يكون من حسن حظ الطرفين اذا تمكن كيري من التوصل إلى نتائج مرضية للمفاوضات، وهو قد أرجأ جولته الحادية عشرة بانتظار أن تنتهي إسرائيل من التفاوض مع نفسها، ومن ثم مع واشنطن، وبعدها سوف يتفاوض مع الفلسطينيين حول ما تم التوصل اليه من نتائج في المحادثات الأمريكية – الإسرائيلية.
ويسعى اليمين المتطرف في اسرائيل الى افشال المفاوضات ولكن مع تحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية فشلها من اجل وقف المساعدات الامريكية والاوروبية المقدمة لهم. والمشكلة انه لو غادر كيري في حال فشله فانه لن يكون له اي مبرر او داع كي يعود إلى المنطقة من جديد، تاركاً الفلسطينيين نهباً للعدوان والاستيطان والاحتلال، و هذا ما يتمناه المتطرفون في اسرائيل الذين يعادون السلام.
وهنا فانني ارفض الادعاء بان جميع الاسرائيليين معادين للسلام، و بان جميع الفلسطينيين محبي للسلام، واتفق مع القول بان هناك معسكرا يضم فلسطينيين واسرائيليين يسعون للسلام في مواجهة معسكر يضم فلسطينيين واسرائيليين معادي للسلام ويسعى لاجهاض مساعي السلام.
حين قبل الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر مشروع وزير الخارجية الامريكي روجرز عام 1968 رفضناه رفضا باتا بناءً على شعارات المتشددين، فغادر ولم يعد. وعندما دعانا الرئيس المصري السابق انور السادات للذهاب معه الى كامب ديفيد عام 1978 للتفاوض، لحقنا بالمتطرفين ووصفناه بالخيانة، فذهب من دوننا، وندمنا على ذلك اليوم
لم لا نتعلم من دروس الماضي من اجل مستقبل اطفالنا ونستمع للمعتدلين؟
الأستاذ محمد سليمان الدجاني الداودي هو مؤسس حركة الوسطية في فلسطين، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس.
*
تدريس الهولوكوست في فلسطين
نوفمبر 26, 2013
محمد الدجاني الداودي
تشكل عملية تدريس موضوع الهولوكوست (وانا هنا لا اريد استخدام الترجمة العربية “المحرقة” لانها لا تعبر عن الواقع) في فلسطين تحدّ كبير بسبب استمرار الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي. واذا كان الغرب يعتبر بان مسألة تدريس المحرقة لا تقتصر على اليهود، فان العرب، لا سيما الفلسطينيين، ينظرون اليها بطريقة مغايرة أي كشأن يهودي بحت. وهنا تكمن التحديات أمام تدريس الهولوكوست في فلسطين. ونجدها على أربع مستويات: التعليمية والسياسية والدينية والنفسية.
فعلى المستوى التعليمي، لم تكن احداث ووقائع الهولوكوست تُذكر بصفة تقليدية في النصوص المدرسية العربية أو الفلسطينية، كما لم تكن ولا تزال لا تُدرّس في المدارس أو الجامعات العربية او الفلسطينية. فهذا أمر يتم تجاهله كلياً في دروس التاريخ بسبب النزاع العربي الاسرائيلي. وبهذا، فإن غالبية العرب والفلسطينيين يجهلون هذا الحدث المأساوي في التاريخ الانساني،
وعلى المستوى السياسي، فإن الفلسطينيين هم الأمة الوحيدة في العصر الحديث التي لا تزال تحت الاحتلال العسكري، وشأنهم شأن بعض الشعوب الأخرى، فهم محرومون من حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مدنية ديمقراطية ومستقلة. ومن ثم، فإن معظم الفلسطينيين ينظرون إلى الهولوكوست باعتباره مصدر يوم نكبة عام 1948 الذي يحتفل به الإسرائيليون باعتباره عيداً للاستقلال للدولة اليهودية. ويدفع الصراع العديدين للنظر إلى تلك المسألة على أنها دعاية صهيونية تهدف إلى خلق تعاطف مع القضية اليهودية. في حين يعتبره البعض دعاية صهيونية او حدث مضخم لكسب العطف الدولي للدولة اليهودية.
وعلى المستوى الديني، فإن النزعة الراديكالية لدى البعض في فلسطين، في تدريس دين الإسلام تشدّد على وجود تصادم في القيم والمعتقدات ما بين الإسلام من جانب، واليهودية والمسيحية من جانب آخر. وعليه فان تفسير عدد من آيات القرآن الكريم وشرحها يتم بطريقة تدعم هذه الحجة. على سبيل المثال، يقول الله تعالى في الآية 143 }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً{ ولكن بدلاً من تفسير الآية على أنها تدعو للعدالة والتسامح والاعتدال، يجري تفسيرها على النحو التالي: “المسلمون أمة وسط بين اليهود الذين قتلوا الأنبياء والمسيحيين الذين ألهوا نبيهم”. المثال الآخر هو طريقة تدريس الآيات الأخيرة من سورة الفاتحة والتي تقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (المسلمين بدلاً من المؤمنين) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ (اليهود بدلاً من غير المؤمنين) وَلَا الضَّالِّينَ (المسيحيين بدلاً من المنافقين)}. ايضا، طريقة تدريس الآيات التي تعتبر الدين عند الله سبحانه وتعالى الاسلام فهل نعنى بدلك الدين الاسلامي فنستثني الديانات السماوية الآخرى كاليهودية والمسيحية أو نعني من آمن بالله وسلم له وعبده فلا نستثني الديانات السماوية الآخرى كاليهودية والمسيحية.
ومن بين الأحاديث الواسعة الانتشار التي تُنسب، أو إن أردنا الدقة، التي تُنسب خطأً إلى الرسول (ص)، قوله: ” لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم ! يا عبدالله ! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود .” والنص الديني الذي يتم تدريسه في المدارس يقول: ” في هذا الحديث النبوي يخبرنا الرسول (ص) بأحد أشكال المعارك بين المسلمين واليهود…” تجدر الاشارة هنا الى ان هذا الحديث يتناقض مع آيات القرآن التي تعظِّم حرمة الحياة بحسب ما يرد في الآيات التالية: }وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ{ [سورة الإسراء، الآية 33]،} وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ{ [سورة الأنبياء، الآية 107] وتشمل هذه الرحمة جميع البشر ومن بينهم اليهود والمسيحيين وغير المؤمنين. وما من شك في أن الحديث المشار إليه أعلاه يتناقض مع الآيات التالية: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [سورة هود، الآية 118] } لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة، الآية 256] ؛ {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ.{ [سورة الكهف الآية 29]؛ }إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.{ [سورة السجدة الآية 25 ] }فالله يحكم بينكم يوم القيامة} [سورة النساءالآية141]. كما أن النص يتعارض مع رواية البخاري التي تقول: “مرت جنازة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام لها احتراما للميتً، فقيل له يا رسول الله: “إنها جنازة ليهودي”. فاجاب: “أليست نفساً؟”
إن القرآن الكريم يحترم التوراة والإنجيل ويصفهما بالكتابين المقدسين. كما يشير إلى اليهود والمسيحيين بلفظ: “أهل الكتاب”، أو “الذين أوتوا الكتاب”. وهناك نحو 60 آية في القرآن تخاطب اليهود مباشرة كما في قوله تعالى: }يا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{ [سورة البقرة؛ الآية 47].
اما على المستوى النفسي، فإن المجتمع الفلسطيني يعاني من جرح عميق لم يبرأ بعد. ورغم أن احداث الهولوكوست وقعت في الماضي، إلا أن محنة الفلسطينيين ما زالت مستمرة في الحاضر. ومن ثم، يصعب جداً أن تطلب من الضحايا الذين يعانون من احتلال لوطنهم ومصادرة مستمرة لأراضيهم وممتلكاتهم ومعاناة احبائهم في المعتقلات وحرمانهم من حقوقهم الانسانية أن يتعرفوا على معاناة الآخر.
استراتيجية لتدريس الهولوكوست
يطرح الفلسطينيون السؤال التالي: “لماذا ينبغي أن نتعلم عن الهولوكوست؟” وإجابتي هي ان قيمة التعرف على الهولوكوست تكمن فيما يلي:
(1) ان التعلم عن الهولوكوست مؤشر على احترام الحقيقة. اما إنكار الحقيقة أو تجاهلها فانه يدمِّر القيم التي يعتز بها المرء.
(2) ان هذا هو الشيء الصواب. فانتقادنا على أمر ما لا يعني بان علينا تجنبه او نتجاهله.
(3) إنكار الهولوكوست خطأ تاريخي وغير مقبول أخلاقياً.
(4) الحاجة إلى التعرف على الدروس المأساوية من الماضي ضرورة لتجنب حدوثها مرة أخرى في المستقبل.
(5) يحث القرآن الكريم على طلب المعرفة والعلم: }…وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْما.ً{ [سورة طه، الآية 20]. وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (سورة الزمر، الاية 9)
(6) يحث االرسول (ص) على طلب المعرفة والعلم: وقد روي عن الرسول (ص) قوله: “اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد”. وقوله: “اطلبوا العلم ولو في الصين”.
(6) يقول الحكماء أنه بدون معرفة الشر لا نستطيع أن نفهم معنى الخير.
(7) إظهار التعاطف والشفقة تجاه معاناة الآخرين، حتى إذا لم تجمعكم صداقة أو أواصر محبة، سوف يجعل هذا العالم مكاناً أفضل للعيش فيه.
إن النهج التعليمي يمثّل أهمية قصوى عند تدريس مواضيع حساسة. لذا فإنني أشجّع التعلم النشط من خلال إقرار الخطوات التالية لتدريس مثل هذا الموضوع المثير للجدل:
(1) تدريس اهمية التفكير الناقد والإبداعي.
(2) تدريس اهمية تبني الوسطية والاعتدال.
(3) تدريس المحرقة إلى جانب عمليات الإبادة الجماعية الأخرى في التاريخ الحديث، كما حدث في رواندا، مع شرح الروابط والتشابكات. وسيكون من المفيد للغاية الاستعانة بأفلام وثائقية كأداة تعليمية.
لقد وجدت صعوبة بالغة في العثور على نص دراسي باللغة العربية عن الموضوع، لهذا شاركت في تأليف كتاب مع زينة بركات ومارتن رو بعنوان: (الهولوكوست – المعاناة البشرية: هل يوجد مَخرج من العنف؟) (2012)
وفي الختام، عندما تم عرض فيلما وثائقياً عن الهولوكوست في جامعة القدس، رفع أحد الطلاب يده وسأل: “لماذا ينبغي أن نتعلم عن المحرقة في حين أن الإسرائيليين جعلوا استخدام مصطلح النكبة غير قانوني وحظروا ذكر أي شيء بخصوصه في نصوصهم المدرسية؟” وكانت إجابتي دقيقة ومقتضبة: “لا تهتم بما يفعله الآخر، بل افعل ما تراه الصواب”.
الأستاذ محمد سليمان الدجاني الداودي هو مؤسس حركة الوسطية في فلسطين، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس.